بغداد/المسلة:
عبد الكاظم حسن الجابري
اثارت التسريبات التي اطلقها المدون علي فاضل, ضد رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري كامل المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون وامين علام حزب الدعوة الاسلامية , ردود افعال متباينة في الشارع العراقي بين منكر لتلك التسريبات ومشكك بيها, وبين معتقد بصحتها وبين مطالب لمحاكمة المالكي الى غيرها من ردود الفعل الاخرى.
لا شك ان الرد الشعبي قد لا يكون منسجما تماما مع الراي القانوني, فغالبية الردود الشعبية ناتجة عن الولاء والشخصنة ما بين محب غال و مبغض قال, ونادرا ما يبزغ من بين هذه الاصوات المزدحمة بالخلاف والتخوين صوت متأني ينظر للأمر من زواياه الاخرى ونعني هنا الشرعية والقانونية والاجتماعية.
في نظر الشرع ان تسجيل الاصوات وان كان امر مستجد الا انه نوع من انواع التجسس المحرم المنهي عنه في قول الباري عز وجل في سورة الحجر الاية 12 والذي حرم التجسس على الاخرين “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”.
القانون ايضا له راي في التسجيلات الصوتية وحجيتها في الاثبات القضائي, ففقهاء القانون وان اختلفوا في اعتبار التسجيلات السرية وسيلة من وسائل الاثبات الا انهم اتفقوا عل ان التسجيل الصوتي بدون امر قضائي هو انتهاك لخصوصيات الاخرين, وهو جريمة يعاقب عليها القانون حسب المادة 328 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969 المعدل, وبما اننا في صدد كتابة مقال مختصر سنُعرِض عن ايراد الاراء القانونية في مختلف التشريعات الدولية: كالتشريع الفرنسي والانكليزي والامريكي والمصري وغيرها, ومن ارادها يستطيع ان يحصل عليها ضمن الشروحات للفقه المقارن والمتوافر في المكتبات او المواقع الالكترونية.
ما يهمنا هو راي المشرع العراقي في التسجيلات الصوتية وهل اعتبرها وسيلة من وسائل الاثبات ام لا؟
لم يك للمشرع العراقي راي واضح وصريح في التسجيلات الصوتية الا ان هناك مواد قانونية جاءت يمكننا من خلالها استجلاء الراي القانوني للمشرع العراقي.
نص الدستور العراقي في المادة الاربعين منه على “حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، الا لضرورةٍ قانونيةٍ وأمنية، وبقرارٍ قضائي.
ومن هذا النص نستنتج ان التسجيلات الصوتية المأخوذة بغير امر قضائي تعد جريمة يعاقب عليها القانون كونها انتهاك لخصوصية الافراد.
ايضا جاء في قانون اصول المحاكمات الجزائية في المادة 213 أ النص “تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الادلة المقدمة في اي دور من ادوار التحقيق او المحاكمة وهي الاقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوف الرسمية الاخرى وتقارير الخبراء والفنيين والقرائن والادلة الاخرى المقررة قانونا” حيث يتضح من هذا النص ان التسجيلات الصوتية الشخصية ليست وسيلة من وسائل الاثبات ان لم تكن مقررة بقانون والذي يستلزم استحصال امر قضائي لكي يعتد بهذا التسجيل.
من ما تقدم اعلاه يتضح ان المشرع العراقي وضع ضوابط قانونية وفنية للأخذ بالتسجيل الصوتي, حيث ان الضابطة القانونية هي ان يكون التسجيل الصوتي مسبقا بقرار قاضي صادر من المحكمة الناظرة بالدعوى, اما الضابطة الفنية فهي ان يكون الصوت المعروض لم يتم التلاعب به فنيا من قص وتقطيع ودبلجة ومونتاج, وان يخضع التسجيل الصوتي للجنة خبراء صوت تقرر مطابقته لصوت المدعى عليه وهي –المحكمة- بذلك تأخذ التسجيل الصوتي كقرينة في الاثبات, وليس وسيلة اثبات كالمنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية, وبذلك فان للمحكمة الحق الاخذ بهذا التسجيل من عدمه.
قبل ان نذكر الخلاصة للراي القانوني حول التسريبات المنسوبة للسيد المالكي ومع افتراض صحتها, وبغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا معه, لابد ان نشير الى امر مهم وهو ان التسجيل الصوتي السري وبدون قرار قضائي هو مخالف لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي اشار في المادة 12 منه على الاتي “لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته, ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات.”
كما انه مخالف لمخرجات المؤتمر الدولي السابع للمركز الدولي للدراسات والبحوث الاجتماعية والجنائية والاصلاحية في مدريد 1984 والذي خرج في احد توصياته بالنص على “يجب ان يكون استخدام الاساليب الحديثة في مراقبة الافراد بالوسائل السمعية والبصرية بالقدر الضروري وبالطرق المشروعة لما يترتب عليه من انتهاك لحرمة الحياة الخاصة”
الخلاصة مما تقدم اعلاه ان فعل تسجيل الصوت المنسوب لرئيس ائتلاف دولة القانون هو فعل شخصي في مجلس خاص, ولم يتم بأمر قضائي, وهو بذلك يعتبر فعل غير قانوني تم خلاله انتهاك خصوصية المتحدث وافشاء اسراره, وبذلك يخضع من قام بالتسجيل لطائلة القانون الجنائي ويعاقب على فعله وليس للمحكمة ان تدين المالكي بشيء تم بشكل خاص ولم ينتج اثرا جرميا فحتى قانون العقوبات العراق لا يأخذ بالنوايا مالم يترب عليها فعل ينتج اثرا.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
من نظام الأسد إلى علم الاستقلال.. الإعلام السوري يغيّر جلده في ليلة وضحاها
العرب بين حداثة الزيف وأزمة الوعي
الازدواجية بين الأسد وصدام