بغداد/المسلة: آزاد محسن
تعد تجربة “عصائب أهل الحق” واحدة من أبرز الأمثلة على التجارب المتكاملة التي تجمع بين المقاومة العسكرية والعمل السياسي، حيث تمثل أُنموذجاً في كيفية الانطلاق من مرحلة الكفاح المسلح إلى التأثير السياسي والوطني الواسع.
ورغم البداية المتواضعة لهذه الحركة، التي انطلقت من عشرة أشخاص مؤمنين بقضية واحدة، إلا أنّ إرادة قادتها وحسن تخطيطهم، جعلها تتحول إلى أحد أقوى الفصائل المقاومة
في العراق.
تأسست عصائب أهل الحق في سياق صراع مرير مع الاحتلال الأمريكي في العراق، وكانت تلك البداية نقطة انطلاق لحركة ثورية مستمرة. فمن خلال التخطيط المتقن والقيادة الحكيمة، تمكنت الحركة من تكوين بنية عسكرية قوية، كان أحد أهم ملامحها التناسق والتناغم بين الأهداف والوسائل.
الفصيل العسكري لم يكن مجرد قوة مسلحة، بل كان بمثابة جبهة وطنية تلتزم بقيم المقاومة، وتُهيئ نفسها بشكل تدريجي لدخول ساحة السياسة
مع الحفاظ على الجناح العسكري المقاوم لأنه أساس نهجها.
في البداية، كان دور العصائب مقتصراً على المقاومة المسلحة، ضد الاحتلال، وهي مهمة تضمنت القتال بكل شجاعة وبسالة في ميادين الجهاد.
لم يكن الطريق سهلاً، فقد واجهت الحركة تحديات عسكرية قاسية، ولكنها تمكنت من الصمود بفضل الوحدة والتنسيق بين أفرادها وقادتها.
ما يميز تجربة عصائب أهل الحق عن غيرها من الحركات الثورية، هو التوازن السلس بين الميدان العسكري والساحة السياسية.
لم تقتصر أهداف الحركة على طرد المحتل فقط، بل كان لها طموحات واسعة تتمثل في بناء عراق مستقل وحماية سيادته.
فمع انتهاء مرحلة الاحتلال الأمريكي، بدأ الفصيل في تطوير إستراتيجيات جديدة تتيح له الدخول إلى العملية السياسية.
كان هذا التحول مدروساً بعناية، حيث انطلقت عصائب أهل الحق من خلال حركة “الصادقون”، التي حملت رؤية سياسية واضحة ومبنية على مبادئ المقاومة والثوابت الوطنية.
دخول العصائب إلى العملية السياسية لم يكن مجرد مشاركة شكلية، بل كان تجسيداً لروح المقاومة داخل مؤسسات الدولة. ورغم التحديات والصعوبات التي واجهتها الحركة في هذا المسار، فإنها استطاعت أن تفرض نفسها كلاعب رئيسي في الساحة السياسية العراقية، بفضل قيادتها الحكيمة المتمثلة، بسماحة الشيخ قيس الخزعليّ ، الذي كان له دور محوري في قيادة هذه التحولات بشكل يوازن بين العمل العسكري والسياسي.
من أبرز مميزات تجربة عصائب أهل الحق، هو التنسيق المتناغم بين الجناح العسكري والجناح السياسي. فحركة “الصادقون”، التي تمثل الذراع السياسية للعصائب، تعمل على تحقيق التوازن بين ما هو عسكري وما هو سياسي، في وقت تنشغل فيه العديد من الأحزاب والجماعات بالتحكم في معادلات السلطة الداخلية. هذا التوازن يعكس فهماً عميقاً للواقع العراقي المعقد، ويؤكد على قدرة العصائب على التكيف مع متغيرات المشهد السياسي والعسكري في آن واحد.
ويعد سماحة الشيخ قيس الخزعليّ ، شخصية محورية في هذه التحولات، فهو ليس مجرد قائد عسكري، بل هو رجل سياسة بارع يعرف كيف يقرأ المشهد الداخلي العراقي، وكيف يستثمر إستراتيجيته بشكل فعّال لتأمين مكاسب سياسية للبلد، دون التفريط في المبادئ الوطنية.
وفي هذا الإطار، أثبت الخزعليّ قدرة فائقة في التنقل بين خطين متوازيين: المقاومة المسلحة والسياسة البرلمانية، بما يحقق مصالح العراق ويضمن الاستقرار النسبي في البلد.
على الرغم من الإنجازات التي حققتها عصائب أهل الحق على الصعيدين العسكري والسياسي، فإن الطريق أمامها ما يزال طويلاً، فالواقع العراقي معقد، ويشهد تحديات كثيرة من بينها التوازنات الطائفية والسياسية، والصراعات الإقليمية والدولية، إلا أنّ تجربة العصائب تشير إلى أن هناك رؤية واضحة ومستقبل مشرق للحركة في ظل قيادة حكيمة وقاعدة شعبية واسعة تدعمها.
عصائب أهل الحق اليوم ليست مجرد فصيل مقاوم أو حزب سياسي، بل هي قوة سياسية وعسكرية توازن بين الدفاع عن العراق والحفاظ على استقلاله من جهة، وبين بناء عراق قوي على مختلف الأصعدة من جهة أخرى. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، فإنّ نجاحاتها في التعامل مع المتغيرات العسكرية والسياسية تؤكد على أنّ القادم سيكون أفضل بكثير مما قد يتصور البعض.
تجربة عصائب أهل الحق تبرز أهمية التخطيط الاستراتيجي المتكامل، الذي يوازن بين المقاومة السياسية والعسكرية، فبدلاً من الانغماس في صراع غير محسوب، تمكّنت العصائب من بناء جسور تواصل بين جبهتها العسكرية والسياسية، متخذة من الوطنية والحنكة السياسية طريقاً نحو النجاح.
هذه التجربة يجب أن تدرس جيداً من قبل الأجيال القادمة، فهي تشكل أُنموذجاً يُحتذى به في كيفية الصعود المتناسق والمتوازن نحو تحقيق الأهداف الكبرى للمقاومة والشعب العراقي.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
زعماء الوسطية.. هل قادرون على توجيه السكة على مفترق طرق إقليمي؟
اشنطن “ترفض بشكل قاطع” مذكرتي التوقيف بحق نتانياهو وغالانت
القسام: أجهزنا على 15 جنديا إسرائيليا من المسافة صفر