بغداد/المسلة: يسجل المشهد الأمني في العراق محطة جديدة مع بدء الانسحاب الفعلي للقوات الأمريكية من قاعدة عين الأسد غرب الأنبار، حيث تحولت تحركات الطائرات والقوافل العسكرية إلى مؤشرات ميدانية على تغير جوهري في طبيعة الوجود الأجنبي، إذ لم يعد الأمر مقتصرا على نقل معدات ثقيلة كما جرى سابقا، بل تعداه إلى مغادرة أفراد، ما يشي بجدية الخطوة وارتباطها باتفاق سياسي سابق بين بغداد وواشنطن.
ويعكس هذا الانسحاب تحولا في مفهوم “التحالف الدولي” الذي أُسس لمواجهة تنظيم داعش عام 2014، ليأخذ شكلا جديدا يقوم على تقليص الطابع العسكري المباشر واستبداله بتعاون أمني مدني، وبذلك ينقل الملف من دائرة السيطرة العسكرية إلى دائرة التنسيق الاستخباري والدعم الفني، وهو ما تروج له واشنطن باعتباره انتقالا طبيعيا بعد تراجع التهديدات الإرهابية، فيما ينظر إليه خصومها كاستجابة لضغط شعبي وسياسي متراكم.
وتبرز أهمية عين الأسد تاريخيا بوصفها واحدة من أكبر القواعد العسكرية في العراق وأكثرها رمزية في الوجود الأمريكي، إذ شكلت منذ 2003 قاعدة ارتكاز استراتيجية، وعادت للواجهة في 2014 كغرفة عمليات مركزية في الحرب ضد داعش، ما يجعل مغادرتها اليوم خطوة تحمل أبعادا رمزية بقدر ما تحمل حسابات أمنية ولوجستية.
ويطرح الانسحاب تساؤلات حول طبيعة التوازن الأمني في غرب العراق، حيث تشير تقارير إلى أن القاعدة ستتحول إلى مركز ثقل للقوات العراقية، بما يمنح بغداد مساحة أوسع لمسك الأرض في الأنبار، لكنه في المقابل يضعها أمام اختبار قدرة المؤسسة العسكرية على ملء الفراغ دون غطاء أمريكي مباشر، خصوصا في منطقة ما زالت تحيط بها مخاطر التسلل عبر الحدود السورية.
ويقرأ مراقبون هذا التطور ضمن سياق إقليمي أشمل، فانسحاب واشنطن من عين الأسد لا يعني بالضرورة تراجع حضورها في العراق أو المنطقة، بل إعادة تموضع قد يتجسد في تركيز القوة في أربيل أو نقلها إلى مواقع أخرى أكثر أمنا، وهو ما يفتح الباب أمام جدل سياسي داخلي حول حدود السيادة وأدوار الشركاء الدوليين، في وقت تبحث فيه بغداد عن معادلة دقيقة توازن بين حاجتها للأمن ومتطلبات الرأي العام.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

أخبار ذات علاقة
فنزويلا في عزلة جوية بعد وقف شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إليها
ضغوط أميركية تعرقل حسم رئاسة الوزراء في العراق وسط خلافات الإطار التنسيقي
ملفات ما بعد التصويت تعيد اختبار العلاقة بين الناشطين والقوى التقليدية