بغداد/المسلة: ناجي الغزي
قرار الحكومة العراقية بتصنيف حزب الله اللبناني وأنصار الله (الحوثيين) كجهات إرهابية، خطوة غير موفقة، ولم تكن متوقعة في سياق السياسة الخارجية العراقية خلال العقدين الأخيرين، خصوصاً أن بغداد كانت تُحسب بدرجات متفاوتة، على محور سياسي وعسكري يُصنّف هذين التنظيمين جزءاً من منظومته الإقليمية.
لكن صدور القرار بشكل رسمي بجريدة الوقائع العراقية، في العدد (4848) وبالقرار رقم (61) الصادر عن” لجنة تجميد أموال الإرهابيين” بتاريخ 28 تشرين الأول 2025، والمتضمن تجميد أصول 24 كياناً صنفّتها اللجنة كتنظيمات إرهابية وبموجب توصية لجنة تجميد أموال الإرهابيين، يفتح الباب أمام أسئلة استراتيجية عميقة تتجاوز حدود التصنيف القانوني لتطال بنية التوازنات الإقليمية ودور العراق داخل شبكة صراع المحاور.
أثار هذا القرار صدمة سياسية غير مسبوقة داخل العراق، وفتح الباب أمام واحدة من أعقد الأزمات بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحلفائه في الإطار التنسيقي. كما وصف هذا القرار من قبل أوساط سياسية بأنه منفصل تماماً عن المزاج الشعبي العراقي الذي يرى في حزب الله والحوثيين حركات مقاومة ضمن محور المواجهة مع إسرائيل، وليس منظمات إرهابية.
من يقف وراء القرار؟
لجنة تجميد أموال الإرهابيين هي لجنة عليا تُشكّلها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ويرأسها محافظ البنك المركزي، ويشغل نائب الرئيس فيها مدير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتضم ممثلين من وزارات ومؤسسات سيادية حسّاسة: المالية والداخلية والخارجية والعدل والتجارة والاتصالات والعلوم والتكنولوجيا وهيئة النزاهة وجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات. وهو ما يعني أن القرار مرّ عبر قنوات رسمية متعددة، ولم يكن إجراءً فردياً أو خطأً تقنياً كما حاولت بعض الجهات الترويج له.
من يقود هذا التحوّل؟ قرار مؤسسي أم اختراق سياسي؟
بناءً على حجم اللجنة ودقة عملها، يمكن تفسير القرار وفق ثلاث مسارات متداخلة:
المسار الأول: الضغط الخارجي المباشر
مع اقتراب مرحلة سياسية دولية جديدة، وعودة إدارة أمريكية أكثر تشدداً، قد يكون القرار انعكاساً، لضغوط واشنطن، أو لترتيبات أمنية جديدة في المنطقة، أو لالتزامات عراقية غير معلنة مرتبطة بالاستقرار المالي والدعم الاقتصادي.
المسار الثاني: إعادة التموضع السياسي الداخلي
قد تكون قوى داخل الدولة تعمل لإعادة تموضع العراق بعيداً عن محور المقاومة، ضمن تفاهمات إقليمية جديدة، أو خطاب سياسي يميل للحياد الإقليمي، أو رغبة في كسب اعتراف دولي ودعم اقتصادي.
المسار الثالث: التجريب السياسي
أي أن القرار كان اختباراً لرد الفعل الشعبي والسياسي، لمعرفة مدى إمكانية دفع العراق تدريجياً نحو، تقييد الحشد الشعبي، وإضعاف الارتباط العراقي بمحور المقاومة، وفتح الباب لتحالفات أمنية جديدة.
قرار… ثم اعتذار
كيف كشف البنك المركزي بهذا الاعتذار هشاشة الدولة العراقية أمام الضغط الدولي؟ أو ربما تكون الدولة مخترقة؟ أو منزوعة الإرادة؟ أو تتحرك بلا بوصلة سياسية؟ لم يكن القرار الأول بتصنيف حزب الله اللبناني وأنصار الله (الحوثيين) كجهات إرهابية مجرد خطأ إداري عابر كما حاول البعض تصويره، ولا يمكن تفسيره بأنه “سهو طباعي” أو “خلل في الإشراف”. لكن المفارقة الأكبر جاءت بعد صدور كتاب رسمي جديد من البنك المركزي العراقي، يعلن فيه أن إدراج الحزبين ضمن القائمة كان خطأً غير مقصود، وأنه تم حذفهما بعد الحصول على الموافقات الأصولية، طالباً نشر بيان “لتوضيح الموضوع إعلامياً”.
من الناحية السياسية، لم يكن هذا الاعتذار تصحيحاً للخطأ، بل كان تأكيداً عليه، وإظهاراً لخلل أكبر بكثير من مجرد فقرتين في جريدة الوقائع العراقية. وهل يعقل أن تُدرج منظمتان بحجم حزب الله والحوثيين ضمن لائحة الإرهاب بـ”الخطأ”؟ هذا الخطأ يشبه أن تعلن دولة ما الحرب على دولة أخرى، ثم تقول: نعتذر، كانت الحرب سهواً!
الصدمة داخل الإطار التنسيقي
وبحسب مصادر سياسية، فإن هذا القرار تحوّل سريعاً إلى شرارة أزمة داخل الإطار التنسيقي، الذي يعتبر حزب الله والحوثيين جزءاً من منظومة “محور المقاومة” الذي يتقاطع مع القرار سياسياً وعقائدياً. الخطوة التصعيدية: كما تشير المصادر إلى أن الإطار التنسيقي قرر،: حذف اسم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من كروب الواتساب الخاص بالإطار. ومنع تداوله كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة المقبلة.
وهي رسالة سياسية صريحة مفادها أن الإطار لم يعد ينظر إلى السوداني كخيار مضمون بعد هذا الموقف، وأن قرار تصنيف حزب الله والحوثيين كان بمثابة “الخط الأحمر” الذي تم تجاوزه.
لماذا كانت ردة الفعل بهذه القسوة؟ هناك عدة عوامل تفسّر الغضب داخل الإطار:
1. القرار مسّ مباشرة حلفاء الإطار الاستراتيجيين إقليمياً.
2. التوقيت جاء في ذروة الحرب الإسرائيلية على المنطقة، ما جعله يبدو كاصطفاف غير مباشر مع الضغوط الغربية.
3. لم يصدر عن السوداني أي نفي أو تبرير مقنع، ما اعتبره الإطار قبولاً ضمنياً بالتصنيف.
4. القرار شكّل بالنسبة لقيادات داخل الإطار، إحراجاً أمام قواعده الشعبية التي ترى في حزب الله رمزاً للمقاومة.
تداعيات الأزمة على تشكيل الحكومة المقبلة
هذه الخطوة مرشّحة لإعادة خلط الأوراق في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، ومن المتوقع:
• تعقّد المفاوضات داخل الإطار حول مرشح رئاسة الوزراء.
• ارتفاع الأصوات المطالبة بمرشح “متشدد” أكثر ولاءً لخيارات المحور الإقليمي.
• تراجع فرص السوداني إلى حدّ الإقصاء ما لم يقدم توضيحات أو تنازلات ترضي قوى الإطار.
كما يرى مراقبون أن الإطار سيستخدم هذا الملف كورقة ضغط لإعادة ضبط العلاقة مع السوداني.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

أخبار ذات علاقة
ما هي استراتيجية ترامب للشرق الأوسط 2026
مقتل أربعة بضربة أميركية جديدة ضد قارب في المحيط الهادئ
فنزويلا في عزلة جوية بعد وقف شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إليها