بغداد/المسلة:
احمد موسى جياد
قرار مهم له ابعاد مؤثرة ويؤمل ان ينهي التخبط الذي رافق صياغة وتشريع وتعديل قانون شركة النفط الوطنية العراقية لأكثر من خمس سنوات، واعتقد ان انعكاسات هذا القرار ستكون واسعة لتشمل الشركة والقطاع النفطي ومجمل الاقتصاد العراقي، وارى إمكانية الاسترشاد به لترسيخ وممارسة حقوق وواجبات كل مواطن في مسائلة السلطات الاتحادية والإقليمية وعلى مستوى المحافظات. وادعو وزارة النفط الى الكف عن محاولات الالتفاف على قرارات المحكمة العليا والعمل بجد على اعداد مشروع قانون تعديل قانون الشركة في ضوء قرارات المحكمة وبما يسهم في إعادة تشكيل شركة نفطية وطنية متخصصة تتناسب مع ظروف ومتطلبات وضوابط وممارسات القرن الحالي.
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بشان الدعوى (عدد: 49 وموحدتها 83/اتحادية/2022) بتاريخ 21 أيلول الحالي. يتعلق القرار بقبول الدعاوى التي أقامها مجموعة من أعضاء مجلس النواب على المدعى عليهم، إضافة الى وظائفهم، وهم كل من رئيس مجلس الوزراء، الأمين العام لمجلس الوزراء ووزير النفط. قدم الدعاوى كل من عدي عواد كاظم، مصطفى جبار سند مع باسم خزعل خشان، انتصار حسن يوسف الجزائري، وتتعلق بعدم دستورية قرار مجلس الوزراء رقم (109) لسنة 2020 المتضمن تكليف وزير النفط الحالي بمهام رئيس شركة النفط الوطنية العراقية والقرار (211) لسنة 2021 المتضمن تشكيل مجلس إدارة الشركة، مما ترتب على هذين القرارين العديد من الإجراءات بالرغم من ان المحكمة الاتحادية العليا سبق وان قضت بعدم دستورية بعض المواد الأساسية والمؤثرة في قانون الشركة المذكورة رقم (4) لسنة 2018.
تحقق قرار المحكمة الذي صدر بالأجماع من خلال المرافعة الحضورية العلنية، ويتكون من 16 صفحة موقعة جميعها من قبل القاضي جاسم محمد عبود- رئيس المحكمة بتاريخ 21 أيلول 2022.
من ناحية تحليل وهيكل المحتوى يمكن القول ان وثيقة القرار تتكون من قسمين؛ تضمن الأول خلاصة وافية متوازنة لما جاء في الدعوى الاصلية وموحدتها، وما جاء في دفوع وكلاء المدعى عليهم والشخص الثالث الى جانبهم وتضمن القسم الثاني قرار الحكم الذي بني على تحليل ثلاثة مواضيع والنتائج التي توصلت اليها المحكمة بشانها، عدد الصفحات متساوية تقريبا لكل من القسمين.
استند قرار المحكمة، بعد الاستعراض والتحليل، على ثلاث نتائج وهي بنظري مهمة واساسية ومؤثرة، مترابطة عضويا ويسند بعضها بعضا، وعليه يجب اخذها بنظر الاعتبار مجتمعتا ككل مترابط متكامل، وهي:
أولا- ان شرط المصلحة الشخصية يستوجب ان تفصل المحكمة فيها من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية او تصوراتها المجردة. قامت المحكمة باستعراض وافي وتفسير واضح للعديد من المواد الدستورية والاسترشاد ببعض الآيات القرئانية، وتاكيدها على ان الدستور لم يوضع “لمصلحة جهة سياسية معينة او طائفة او قومية وانما وضع لجميع العراقيين دون تمييز..، و “أي سلطة تتجاوز احكام الدستور الذي اوجدها تفقد شرعية وجودها” و “ان الأموال العامة تخصص لمنفعة جميع أبناء الشعب، إذ ان كل فرد له حق فيها وحيازتها من الدولة ومؤسساتها هي حيازة اعتبارية…..، وبالتالي فان لكل مواطن الحق في دفع الضرر الذي يلحق بالمال العام والذي يتحول بالنتيجة الى ضرر خاص” وهذا يستند الى المبدأ الدستوري القاضي بان حماية الأموال العامة واجب على كل مواطن (المادة 27/اولا).
وبنظري، ان ما يترتب على هذه النتيجة المهمة هو إعادة التأكيد على كامل الحق لكل ولأي مواطن ان يلجا الى المحكمة الاتحادية العليا عند الضرورة، وخاصة ما يتعلق بالقرارات الحكومية (الاتحادية او الإقليمية او على مستوى المحافظات) المتعلقة بالشأن النفطي. وفي الحقيقة فقد سبق لي شخصيا ان اكدت على واستخدمت هذا الحق منذ بداية مداخلاتي العديدة السابقة الهادفة الى والتي ساهمت في الطعن بقانون شركة النفط الوطنية العراقية المذكور أعلاه والتي قدمها الاخوة فؤاد الأمير وماجد علاوي في عام 2018.*
ثانيا- التأكيد على ان المال العام هو الوسيلة المادية للإدارة في القيام بنشاطها، وله أهمية قصوى اذ يعد العصب الرئيسي للنظام الاقتصادي للدولة ويتوقف على حمايته تحقيق المصلحة العامة والتي تنعكس بدورها على رفاهية المجتمع وتطوره. وقد اكدت المحكمة على المبدأ الدستوري بان “للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن” كما ذكر اعلاه، وعلى دور واهمية قانون ديوان الرقابة المالية رقم (31) لسنة 2011 المعدل، واستنتجت بان عدم صيانة المال العام يؤدي الى عدم قيام الدولة بواجباتها الدستورية.
وبنظري، يعتبر تركيز المحكمة على الدور المشترك لكل “مسؤول” ولكل “مواطن” ولكل “جهة” في حماية المال العام من الجوانب المهمة في هذا القرار، ويرتبط عضويا بالنتيجة أولا أعلاه ويؤكد مبدأ المسؤولية التشاركية لممارسة الحقوق المجتمعية. وتبرز أهمية هذا التركيز على المسؤولية التشاركية في ضوء تفشي الفساد وتأثيراته المدمرة على الاقتصاد والمجتمع العراقي، مما يستلزم وقد يؤدي الى تحرك قانوني واسع وذلك بإقامة دعاوى امام المحكمة الاتحادية لمحاربة الفساد وكذلك لسوء السلطات استخدام مسؤولياتها وقراراتها.
ثالثا- الإقرار بالأهمية الهيكلية لقطاع النفط في الاقتصاد العراقي حيث ذكر القرار “ان النفط يمثل شريان الحياة للاقتصاد العراقي، ويترتب على تنمية قطاع النفط توفير الموارد المالية اللازمة للاستثمار في بناء راس مال حقيقي بشري ومادي..” و”لكونه ثروة وطنية يفترض الحرص عليها وانقاذها من الإهمال والتبذير”. وفي تناولها لقرار المحكمة بقبول الطعن بقانون شركة النفط الوطنية رقم (4) لسنة 2018، يؤكد القرار الحالي ان “الغاء المواد الجوهرية .. من القانون لا يمكن معها المضي بتشكيل الشركة”
ماذا يترتب على هذا القرار!
اهدرت وزارة النفط ما يقارب من أربع سنوات من الوقت والجهود محاولة منها الالتفاف على قرار المحكمة الاتحادية بتاريخ 23 كانون ثاني 2019 والقاضي بقبول الطعن بالعديد من المواد الأساسية والفاعلة في قانون الشركة رقم 4 لسنة 2018.
سلكت الوزارة في هذا المسعى طريقين: الأول- اقتراح مشروع قانون التعديل الأول لقانون الشركة أعلاه. والغريب في الامر انه خلال فترة اقل من خمسة أسابيع أصدر مجلس الوزراء مسودتين مختلفتين لمشروع قانون التعديل هذا يستند كليهما على نفس اجتماع المجلس المذكور وقراره! وقد سبق لي ان تناولت بالتحليل كلا المسودتين وخاصة في مداخلتي المعنونة “المسودة الثانية لمشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية” بتاريخ 17 تشرين اول/أكتوبر 2019.
اما الطريق الثاني، فهو القيام باتخاذ إجراءات تنفيذية عديدة باعتبار الوزير “مكلف بمهام رئيس الشركة” إضافة لوظيفته، تنفيذا لقرار مجلس الوزراء رقم 109 لسنة 2020 وكتاب وزارة النفط رقم 19507 في 13 أيلول 2020. وقد سبق لي كذلك ان تناولت الإشكاليات التي ترتبت وستترتب على هذه الإجراءات التنفيذية قبل اكتمال الإجراءات التشريعية المتعلقة بمشروع قانون التعديل الأول لقانون الشركة، وذلك في مداخلتي المعنونة ” التخبط ثانيتاً في تفعيل قانون شركة النفط الوطنية العراقية” بتاريخ 10 تموز 2021.
وعلى الرغم من التعثر الواضح في جهود تمرير مشروع قانون التعديل الأول لقانون الشركة فقد استمرت الوزارة في اتخاذ الإجراءات التنفيذية والتعاقدية باسم شركة النفط الوطنية العراقية، وهذا دفع لجنة النفط والطاقة والموارد الطبيعية في مجلس النواب العراقي الى ارسال كتابا رسميا الى وزير النفط موضوعه “إيقاف إجراءات” وذلك بموجب الكتاب عدد ل غ 54 بتاريخ 4 تموز 2021 (وهذا ما تناولته في مداخلتي المعنونة ” متابعةٌ مهمة للغاية عن قانون شركة النفط الوطنية العراقية” في 13 تموز 2021).
وبسبب عدم استجابة وزير النفط للطلب أعلاه، فقد “صوت مجلس النواب يوم الاثنين 28 شباط 2022، على الغاء قرار مجلس الوزراء الخاص بتكليف وزير النفط بمهام إدارة شركة النفط الوطنية” (وقد تناولت هذا الموضوع في مداخلتي المعنونة ” مجلس النواب يلغي تكليف وزير النفط بمهام رئيس شركة النفط الوطنية العراقية” في 1 اذار 2022).
يتضح مما تقدم ان الفشل في تقديم مشروع قانون التعديل الأول لقانون الشركة واستمرار الوزارة في تنفيذ الإجراءات التنفيذية والتعاقد باسم الشركة وخاصة من قبل حكومة تصريف الاعمال اليومية الحالية، كلها تساهم في تفهم قرار المحكمة الاتحادية العليا قيد البحث.
وعليه ارى على وزارة النفط القيام بما يلي:
الكف عن استخدام اسم شركة النفط الوطنية العراقية
الغاء كافة الإجراءات التنظيمية والإدارية والهيكلية التي اتخذتها الوزارة تنفيذا لقرار مجلس الوزراء رقم (109) لسنة 2020 المتضمن تكليف وزير النفط الحالي بمهام رئيس شركة النفط الوطنية العراقية والقرار (211) لسنة 2021 المتضمن تشكيل مجلس إدارة الشركة وما تبعهما من قرارات.
تجميد جميع عقود المشاركة في الأرباح مع الشركات الأجنبية التي تمت فيها تسمية الشركة وخاصة العقود الأربعة مع شركة توتال انرجي الفرنسية
الطلب من الحكومة سحب مشروع قانون التعديل الأول لقانون الشركة والعمل بجدية وبعقلية مختلفة وبمشاركة واسعة على اعداد مقترح جديد لمشروع قانون التعديل الأول لقانون الشركة يأخذ بنظر الاعتبار ويلتزم بقرارات المحكمة الاتحادية العليا وبما يسهم في إعادة تشكيل شركة نفطية وطنية متخصصة تتناسب مع ظروف ومتطلبات وضوابط وممارسات القرن الحالي.
وادعو زملائي من الخبراء والمختصين والمهتمين بالقطاع النفطي وموضوع شركة النفط الوطنية العراقية الى المساهمة المهنية الموضوعية الإيجابية الهادفة الى مساعدة وزارة النفط في تحقيق المهام اعلاه وتصحيح مسار إعادة تأسيس الشركة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
ترامب يرد على منتقدي نفوذ ماسك: لم يولد في أميركا ولن يصبح رئيساً
حل الحشد: الحلم المستحيل أم ضغط دولي لا مفر منه؟
العثور على جثة قبطان سوري في سفينة بأحد موانئ العراق