بغداد/المسلة:
جواد الهنداوي
ليس من غير المألوف أنْ يشكو العراق ، دولةً و شعباً ،من عهد الديكتاتورية و ويلاتها ، ولكن أن تستمر شكوى العراق ،مصحوبة بمعاناة قاسيّة ،عميقة و طاغية على لقمة العيش ، وعلى المستلزمات الاساسية للحياة و طاغية على الاخلاق و الكرامة والسيادة ، في عهدٍ و العراق موصوفٌ بالديمقراطية ، و بالتحرّر من الديكتاتورية ،يصبحُ هذا الامر ” امرٌ غير مألوف ” !
وكّلُ ما هو غير مألوف ، يدعو الى التوقف و الاستفهام ، ويستدعي اكثر من دراسة و محاولة لمعرفة الاسباب و اقتراح الحلول ،حيث يتحوّل ” الامر غير المألوف ” الى ظاهرة سياسيّة و اجتماعية ، تُهدّد المجتمع و الدولة بالزوال.
بعد تحّرر العراق من الديكتاتورية عام ٢٠٠٣ ، دخلَ العراق عهد ” الاحتلال و الفوضى ” ، ويبدوا انه ( اي العراق ) كان حينها ، سياسياً و أجتماعياً مُستعداً لكليهما ،اي للأحتلال و للفوضى ، و كانا كلاهما ” ثمن التخلّص ” من الديكتاتورية.
كانَ بمقدور القوات الامريكية ان تحتل العراق ،بعد تحريرها الكويت في ١٩٩١/٢/٢٦ ، و لكنها لم تفعلْ ذلك.
لماذا ؟ لسببيّن احدهما تكتيكي و الآخر استراتيجي.
السبب الاول هو رغبة الجوار العربي بالابقاء على نظام صدام وهو محاصر و ضعيف ، و خوف هذا الجوار من وجود نظام في العراق موالي لايران .و السبب الثاني الاستراتيجي هو عدم دراية الادارة الامريكية و عدم معرفتها الكافية ببنيّة و مزاجات واهداف المعارضة العراقية ،والمنتشرة والموزعّة بين بريطانيا وايران و سوريا وبعض الدول الاوربية .عقدٌ من الزمن كان كافياً للأدارة الامريكية ان تستكمل رؤيتها و ادواتها كي تبدأ باحتلال العراق عام ٢٠٠٣. خلال السنوات العشر التي تلت تحرير الكويت ( عام ١٩٩١) ، استنتجتْ الادارة الامريكية ،من خلال متابعتها لمسار النظام السابق في العراق ، ومن خلال تعاملها مع المعارضة العراقية ،حقيقتّين : الحقيقة الاولى هو ان النظام السابق في العراق تعافى ، و أكّدَ من جديد قوته وسيطرته على العراق و ادرك اخطاءه الاستراتيجية وبدأ يغازل اعداء الامس ( سوريا و ايران خاصة ) ، وهذا التوجّه من قبل النظام السابق ( صادقاً كان ام تكتيكاً منه ) لا يخدمُ مطلقاً المصالح المشتركة لامريكا ولاسرائيل ، فلا بُّدَ اذاً مَنْ التخلص منه قبل صلابة عودهِ و تنمّره من جديد ، و قبلَ ان يعيد بناء علاقات متينه مع ايران و مع سوريا.
الحقيقة الثانية هو ادراك وتأكّد الادارة الامريكية من حجم الخلافات و الانقسامات المكبوته و المتجذّرة في جسم وعقل المعارضة العراقية ،خلافات و انقسامات ذات طابع قومي ( عرب ،كرد ) و ذات طابع مذهبي ( شيعة سنّة ) ، واخرى ذات طابع نفعي و مصلحي على صعيد الافراد و العوائل و العشائر الخ … تعايشت الادارة الامريكية والبريطانية و الدوائر الغربية الاخرى مع المعارضة العراقية وهي خارج السلطة فأستنتجت بأنَّ ما يجمعهم هو هدف واحد لا غير ،الا وهو ازاحة واسقاط النظام السابق و الوصول الى السلطة ،الى سدة الحكم ، وما يفرقهّم هو اكثر من خلاف و مصالح ، و أنَّ هذا الخلاف و التناحر و الانقسام سيزداد و سيتفاقم عند تجمعهم على مائدة السلطة ، وستقوم الاجندات الخارجية بتفعيل دورها كي تستمر معارضة الامس وسلطة اليوم مهتمة بتقاسم منافع و مكاسب السلطة دون الاهتمام ببناء الدولة و المجتمع.
بعد ادراك امريكا و حلفاءها هذه الحقائق ،اقدموا في عام ٢٠٠٣ على احتلال العراق ، رافعين ، زوراً ، شعارات الديمقراطية والتمنية و بناء العراق ، و ناصرهم في تضليل هذه الشعارات ، تجربة المعارضة في ممارستها الخاطئة للسلطة ومنذ ما يقارب عقدّين من الزمن.
ما يعيشه العراق الدولة و الشعب شاهدٌ على ما سعت اليه الادارة الامريكية ، و ما ارتكبته من اخطاء استراتيجية معارضة الامس وسلطة اليوم،تجاه العراق دولة وشعب.
و من كبائر تلك الاخطاء هو التضحية بالدولة من اجل السلطة ، والتضحية بالدولة من اجل القومية ، والتضحية بالدولة من اجل الطائفة ،والتضحية بالدولة من اجل العشيرة ، والتضحية بالدولة من اجل العائلة او من اجل الشخص ، وكل هذه التضحيات و القرابين تُمّرّر وتعنّون باسم الديمقراطية و الحريات و حقوق الانسان.
حكومة السيد السوداني امام فرصة مواتيّة لتصحيح مسار العملية السياسية ،وقد بيّنا في مقال سابق بعنوان ( حكومة السيد السوداني : فرص النجاح اكثر من فرص الفشل ،بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/٢٩ ) ،لماذا الفرصة مواتيّة ، ولماذا فرص النجاح اكثر من فرص الفشل . و اعتقد قبل بدء خطوات اصلاح العملية السياسية ، والنظام السياسي ،لابُّدَ من البدء بتعزيز كيان الدولة ،لأنَّ الدولة هي وعاء العملية السياسية ، وخطوات تعزيز كيان الدولة تبدأ بمحاربة الفساد و وضع الرجل المناسب في المكان المناسب و الاستعانة برجال دولة وليس بهواة سلطة ، والسعي الى تحقيق العدالة الاجتماعية ، من خلال تشريعات عادلة وفرص متكافئة امام المواطنين ، وتوزيع عادل للثروات.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
الإنسان في مواجهة مع آلات “تفكّر”
قائد الثورة الاسلامية: سيتم القضاء على الكيان الصهيوني
قادة عراقيون يناورون: فرصة للانفصال عن القبضة الإيرانية