بغداد/المسلة:
محمد زكي ابراهيم
لقد بات واضحاً الآن أن الوفرة المالية التي نجمت عن ارتفاع أسعار النفط في بلد مثل العراق، كانت سبباً في تراجع التنمية، وضعف الناتج القومي غير النفطي، وانتشار الفساد، ونشوء طبقات سياسية طفيلية. وهي أمراض أصابت الدول المصدرة الرئيسية للنفط في المنطقة والعالم. فلم يعد دخل الفرد الذي يحصل عليه من الزراعة أو الحرف اليدوية أو أعمال البناء مغرياً. وانعكس ذلك بشكل حاد في هجرة الفلاحين إلى المدن، وانحسار الورش الصناعية الصغيرة، وتدفق السلع الاستهلاكية من الخارج. وفي دول صغيرة أخرى جرى الاعتماد على العمالة الآسيوية، وزجها في مختلف صنوف النشاط الاقتصادي، بدلاً عن العمالة المحلية المترفة.
وقد أصبح من الضرورة بمكان الآن إيجاد حل لهذه المعضلة، في العراق خصوصاً. حيث تحول السكان الذين يزيد عددهم عن 40 مليوناً، إلى موظفين أو مقاولين ثانويين لدى المؤسسات الحكومية. ومن المعلوم أن المشاكل السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، وأهمها على الإطلاق مشكلة الفساد، إنما نشأت من الرغبة في الاستحواذ على أموال النفط ، دون مسوغ. فالوظائف الكبرى التي يتهافت عليها ممثلو الأحزاب تعني بالنسبة لهم مزيداً من الكسب غير المشروع أو المبالغ فيه، منها.
وقد باتت الحاجة ملحة، بعد عجز الحكومة عن حل هذه المشاكل، لاعتماد أساليب أخرى أكثر فعالية لإنعاش الاقتصاد، وإطلاق التنمية، والقضاء على التخلف. وربما كان أهمها على الإطلاق التحالف الواسع بين السلطة، وطبقة كبار رجال الأعمال، أو أصحاب الشركات العملاقة، لإدارة البلاد.
إن هذه المشاركة تعني فسح المجال أمام الرأسمال الوطني للعمل بحرية، بعد أن كبلت البيروقراطية المحلية يديه، وحالت بينه وبين تنفيذ مشاريعه التنموية، ومنعته من التفكير بإقامة مصانع عملاقة، بل وحتى بناء مجمعات سكنية، دون أي داع. فهناك بعض الجهات المتنفذة تجد الفرصة سانحة للحصول على رشاوى وامتيازات، غير مقبولة. وهذا بحد ذاته، دليل على أن الخلل في السلطة، وليس في الرأسمال.
وفي حال مشاركة هذه الشركات بإدارة ملف التنمية، وامتلاكها سلطات واسعة، سيكون بإمكانها تنفيذ مشاريعها الخاصة دون أن يجرؤ أحد على الوقوف بوجهها أو ابتزازها. وسيكون بمقدورها التمدد طولاً وعرضاً في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، التي تستوعب أعداداً هائلة من الأيدي العاملة. بل أنها ستكون صاحبة السلطة الحقيقية في البلاد. وسيتلاشى عندها الاعتماد الكلي على وظائف القطاع العام المشلول، والمتوقف منذ عام 1991.
وقد يتحجج البعض بأسماء وجهت لها أصابع الاتهام في بلدان عربية وأجنبية، من أصحاب الشركات القابضة الكبرى، مثل أحمد عز في مصر، ورامي مخلوف في سوريا، وخودوروفسكي في روسيا، بالتهرب الضريبي أو الاصطفاف مع المعارضة. لكن أحداً لا يستطيع إنكار دور هؤلاء في اقتصاد بلادهم. هذا الدور الذي مكنهم من التحول إلى أسماء لامعة، وأرقام صعبة، لا يمكن تجاوزها بحال.
تبدو السياسة في العراق الآن أقوى من الاقتصاد. ويتحكم رجال الأحزاب، والوزراء، وأصحاب الوظائف العليا فيه بمقدرات البلاد، وليس الرأسمال الوطني. ومعظم هؤلاء المذكورين أثروا على حساب المال العام، وابتزوا أصحاب المشاريع الخدمية والصناعية، وليس العكس.
علينا أن نفكر في وسائل تتيح لبلادنا أن تخرج مما هي عليه من ركود اقتصادي، وتراجع في الخدمات، وزعزعة في الأمن. ذلك أن بقاء الحال بهذا الشكل المفجع سيبدد الثروة النفطية، وينتج بلداً ضعيفاً، لا يحسب حسابه عدو ولا صديق. وليس هناك من يسره مثل هذا المصير المحزن دون ريب.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
ترامب يرد على منتقدي نفوذ ماسك: لم يولد في أميركا ولن يصبح رئيساً
حل الحشد: الحلم المستحيل أم ضغط دولي لا مفر منه؟
العثور على جثة قبطان سوري في سفينة بأحد موانئ العراق