بغداد/المسلة: الديمقراطية العراقية تعاني من مجموعة من الأمراض التي تجعلها غير قادرة على تحقيق العدالة والمساواة بشكل فعال.
وأحد أبرز هذه الأمراض هو نظام الحكم التوافقي والتشاركي، الذي بُني على أساس التقسيم الطائفي والعرقي.
وهذا النظام، وإن كان يهدف إلى تحقيق مشاركة واسعة من مختلف المكونات، إلا أنه في الواقع يمكّن الأطراف التي تمتلك المال والنفوذ العشائري من الهيمنة على الساحة السياسية.
و في الانتخابات، يتقدم هؤلاء الأشخاص للحصول على المناصب، لا بناءً على الكفاءة أو البرامج الانتخابية، بل بفضل قوة علاقاتهم الاقتصادية والعشائرية.
القوى السياسية في العراق تسعى للتنسيق مع الزعامات العشائرية في المحافظات لتقسيم المناصب والسلطات.
و هذه التفاهمات عادة ما تكون مبنية على المصالح المشتركة، وليس على الخدمة العامة أو المصلحة الوطنية.
و في هذا السياق، نجد أن كل طرف يحاول الاستحواذ على حصة أكبر من استحقاقه الانتخابي من خلال الضغط أو المال أو حتى التهديد بالقوة. وقد يظهر هذا بشكل أوضح في المحافظات ذات الطابع العشائري القوي، حيث يتحول التنافس السياسي إلى صراع مفتوح على الموارد والمناصب.
والقصص التي تعكس هذه الظاهرة تحدث في بعض المحافظات، حيث يحاول زعيم عشائري بارز دفع مرشح من عائلته لمنصب المحافظ. وان كان المرشح لم لا يملك أي خبرة في الإدارة أو السياسة، لكن بفضل قوة عشيرته، والدعم المالي الهائل الذي يتلقاه من رجال أعمال مرتبطين بالعائلة، يحاول الحصول حتى على منصب المحافظ. وهذا المثال يوضح كيف يمكن للعشائر والمال أن يتحكما بمصير الانتخابات.
أحد الآثار الجانبية لهذه التفاهمات والتقسيمات هو أن المناصب السياسية لم تعد تمثل وسيلة لتحقيق إصلاح أو تحسين الخدمات العامة، بل تحولت إلى أدوات لتحقيق مكاسب شخصية ومالية.
والمناصب الحكومية تُعتبر من أهم المصادر للحصول على النفوذ السياسي والمالي، ولهذا نجد أن التقاتل حولها مستمر، وأن السياسيين يتعاملون مع هذه المناصب كأصول قابلة للاستثمار.
والتوافق الطائفي والعشائري في النظام العراقي يضعف من قدرة الديمقراطية على التطور فيما الطموحات السياسية تتحول إلى صفقات تجارية، والأحزاب تلجأ إلى الزعامات العشائرية لضمان استمرارية نفوذها.
وفي مثل هذه البيئة المشوهة تعوق تطور النظام الديمقراطي وتجعل من الصعب تحقيق التغيير الإيجابي الذي يطمح إليه الشعب العراقي.
و إذا ما استمرت هذه الديناميكيات، فإن الديمقراطية العراقية ستظل رهينة للنفوذ العشائري والمالي، وسيبقى الصراع على المناصب هو السمة الأساسية للمشهد السياسي، ما يُعمّق الانقسامات ويُبعد العراق عن تحقيق دولة مؤسساتية حقيقية.
ومثال على ما يحدث، ما صرّح الباحث في الشأن السياسي، أحمد أبو عباتين، بأن الأزمة الجارية في مجلس محافظة نينوى تعود إلى عدم التوافق بين الأطراف السياسية على اقتسام المناصب، وهو ما انعكس في عدم انعقاد الجلسات.
وقال أبو عباتين، إن “كل طرف يسعى للاستحواذ على ما يتجاوز استحقاقه الانتخابي مستغلاً خيوط الضغط سواء على المستوى المركزي، حيث يجد داعمين له لتحقيق مصالح انتخابية مستقبلية، أو على المستوى المحلي من خلال ممارسة ضغوط مختلفة”.
وأضاف، أن “الأحزاب المتصارعة تدرك أن المناصب تحقق لها مكاسب مالية ونفوذ سياسي، بالإضافة إلى تعزيز فرصها في الانتخابات المقبلة”، مشيراً إلى أن “من يملك المال والسلطة سيكون الأوفر حظاً في الانتخابات النيابية، وهو ما يدفع كل طرف للتمسك بمطالبه”.
وأوضح أبو عباتين أن “السبب الرئيسي للأزمة هو طبيعة نظام الحكم التوافقي والتشاركي، الذي ينتج منه جمود سياسي”، مشدداً على أن “الحل الوحيد لهذه المعضلة يكمن في تطبيق الديمقراطية الحقيقية، التي تتطلب وجود توازن بين الحكم والمعارضة داخل المجلس”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
تلوث دجلة والفرات: حرب صامتة على الصحة والبيئة
ترامب: سأقر بالهزيمة إذا كانت الانتخابات عادلة
جنبلاط: مشروع ترحيل شيعة لبنان لا يزال قائماً