المسلة

المسلة الحدث كما حدث

أمانة بغداد: الجباية المائية تتعرقل و الدولة زبون متخلف عن الدفع   

أمانة بغداد: الجباية المائية تتعرقل و الدولة زبون متخلف عن الدفع   

20 غشت، 2025

بغداد/المسلة: يسلط تصريح أمانة بغداد الضوء على واحدة من أعقد أزمات الحوكمة المالية والخدمية في العاصمة، حيث يتقاطع الحق في الحصول على الماء بوصفه خدمة أساسية مع مسألة الالتزام بالجباية العامة.

وتبدو أرقام المديونية التي أعلنتها دائرة ماء بغداد صادمة، إذ إن تراكم 333 مليار دينار على عاتق مؤسسات الدولة والمواطنين والمستثمرين يكشف عن اختلال بنيوي في العلاقة بين الخدمة العامة ومردودها المالي.

مدير إعلام دائرة ماء بغداد، حامد غازي الدراجي، قال إن الدائرة تواصل إنتاج الماء الصالح للشرب، إذ بلغت الحصة اليومية للمواطن الواحد 300 لتر مكعب، بينما تجاوزت كميات الإنتاج الإجمالية 4 ملايين متر مكعب يومياً، من خلال مشاريع التصفية المنتشرة في جانبي الكرخ والرصافة.

وأضاف أن المبالغ المترتبة على مؤسسات الدولة والمواطنين والمستثمرين وصلت إلى 333 مليار دينار، تم تسديد 54 مليار دينار منها حتى نهاية العام الماضي، ليصبح المبلغ المستحق الحالي قرابة 280 مليار دينار.

ويشير هذا الوضع إلى أن أزمة الماء في بغداد ليست فنية أو تشغيلية فحسب، وإنما ترتبط بعامل سياسي وإداري يفتح الباب على مصراعيه لنقاش أوسع حول سياسات الدعم وآليات التحصيل. فحين تقول الدائرة إن الدولة تتحمل 65% من الكلفة مقابل 35% فقط يدفعها المواطن، فإننا أمام نموذج من “اقتصاد الرعاية” الذي يوشك أن يتحول إلى عبء مالي خانق إذا لم يُستكمل بآليات جباية صارمة وشفافة.

وتكشف المطالبات الموجهة لوزارة المالية بضرورة الاستقطاع المباشر من المؤسسات الحكومية المَدينة، عن مأزق بيروقراطي يتمثل في أن الدولة نفسها تعجز عن تسديد ما تستهلكه من خدمات، الأمر الذي يثير تساؤلات عن جدوى الخطط الاستثمارية في البنية التحتية للماء، إذا كانت الجهة المستفيدة هي ذاتها المتخلفة عن التسديد.

وهذا يعكس بجلاء ما يسميه خبراء الإدارة العامة “التداخل المؤسسي” بين الدولة كمشغل وكزبون في الوقت ذاته.

ويثير اعتماد وسائل الدفع الإلكتروني وإطلاق نافذة تحصيل رقمية بادرة انفتاح نحو تحديث أدوات الجباية، غير أن ثقة المواطن في مؤسسات الدولة تبقى العامل الحاسم، فالمجتمع البغدادي الذي يئن تحت وطأة أزمات اقتصادية وخدمية متراكمة، قد لا يجد في الدفع المنتظم أولوية ما لم يلمس تحسناً ملموساً في جودة الماء واستمرارية الضخ.

و يتجسد البعد السياسي للأزمة، إذ تتحول مسألة الماء من ملف خدمي إلى قضية تتقاطع مع ثنائية “الشرعية والالتزام” بين المواطن والدولة.

وفي سياق الموازنة بين البعد الإنساني والاعتبارات المالية، شددت أمانة بغداد على أن الدفع بالإمكان تقسيطه، مراعية الظروف الاجتماعية. إلا أن التجربة العراقية تشير إلى أن التساهل في التحصيل غالباً ما يقود إلى ثقافة استهلاك مجانية تتسع بمرور الزمن، ما لم تواكبها حملة توعية سياسية ومجتمعية جادة تؤكد أن “الماء خدمة لها ثمن”، حتى وإن ظل مدعوماً.

و تراكم الديون على الماء البغدادي يختصر معضلة أوسع في إدارة الدولة العراقية لعقود طويلة: الوفرة في الإنتاج مقابل العجز في الإدارة المالية. فالمعادلة التي تقول “أربعة ملايين متر مكعب يومياً مقابل 280 مليار دينار غير محصلة” هي معادلة تكشف عجزاً في القدرة على تحويل الخدمة إلى مورد مستدام.

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author