المسلة

المسلة الحدث كما حدث

مرافعة وزير مستقيل

30 أغسطس، 2022

بغداد/المسلة:

ابراهيم العبادي 

لا احد يستطيع التكهن ومعرفة الدوافع والرغبات التي تجعل شخصا ما يقبل باداء خدمة عامة رفيعة في ظروف عصيبة ،اذ يجازف بعض الاشخاص براسماله الرمزي ورصيده العلمي والفكري حينما يقبل ان يكون عضوا في اوركسترا كبيرة لايمكنه ان يتمايز فيها ،فمن يستطيع تمييز نغمة عازف يؤدي مع عشرات اخرين لحنا واحدا ،لكن بعض الافراد يستقتلون من اجل بلوغ العناوين الكبيرة ،بأي ثمن ،وبأي وسيلة ،مشرفة أو غير مشرفة ،لايهم بعدها ماذا تكون الحصيلة ،المهم ان صاحب الرغبة والطموح ،يحقق مبتغاه في الوصول الى العنوان اللامع (السيد الوزير).
ينقل لنا التاريخ السياسي العراقي ان اشخاصا معدودين رفضوا قبول منصب الوزارة ترفعا وخشية من خسارة الرصيد الاخلاقي والصورة الرمزية ،فمن يستطيع الخروج بصورته المشرقة بعدما تتطاير عليها اتربة الملفات والتعاقدات والوساطات والانصياعات التي تمليها سلطة الرئيس الاعلى أو الحزب الحاكم ،قليلون نجوا من هذه المحرقة باداء مشرف وانجاز حميد ،فيما ضاع الكثيرون في مهاوي العزل والاقالة وسوء السمعة وضعف الاداء وهزالة المنجز.

بعد عام 2003 افاق العراق على( اخلاق )سياسية جديدة كان لها النصيب الاوفر في وصول النظام السياسي الى موته السريري ، فقد سادت ثقافة الحبو على الركب للحصول على المناصب ،وعلى مرحلتين المرحلة الاولى يقوم بها رئيس الحزب او الكتلة السياسية ليقتطع له حصة بعنوان الاستحقاق الانتخابي ثم يقوم بتوزيع الحصةعلى محازبين مقربين جدا وبصفقة داخلية ،اما المرحلة الثانية فتتمثل في زحف الافراد لنيل الترشيح ولوبشراءالمنصب ماديا (عشرة مليون ،عشرين مليون دولار وربما اكثر )هذه الاموال تذهب لزعيم الكتلة او لنثرها على رؤوس اشخاص نافذين معه داخل الحزب او خارجه يمهدون الطريق لوصول الاسم المبارك الى ورقة الترشيح النهائية التي يقبلها الرئيس المكلف ويدفعا الى مجلس النواب الموقر للمصادقة عليها . صار الطريق الى رئاسة الوزراء والوزارات والوكالات والهيئات والادارات نتيجة صفقة وحصة وليس بمعايير اخرى كما في بلدان الارض الكثيرة ، في مثل هذه الاخلاقيات والممارسات لم يعد للعراقيين معايير واضحة لتصنيف التكنوقراط والخبراء واصحاب الرؤى والمشاريع التي تُدخل تجديدا وتطور واقعا بائسا ،فالمنصب لمن يؤدي قسم الولاء ويدفع ثمن الشراء للزعيم ،اما الحديث عن الاداء فذاك اخر مايفكر به القادة والزعماء ،وحاضرنا القريب مليء بالمخازي والمفاسد التي اسستها وانتجتها الاعراف والاخلاق المبتكرة ،هل نتوقع بعد ذلك استقالة وزير وعزوف خبير عن البقاء في منصبه اذا كان المنصب قد تم شراءه بعرق الجبين وزحف السنين !؟.

الذين استقالوا في جمهورية الديمقراطية التوافقية قليلون جدا ،لاسباب مهنية وسياسية ،اخرهم وزير المالية الدكتور علي علاوي ،جاءت الاستقالة في خضم ازمة حكم وانسداد سياسي وحكومة تصريف اعمال استنفدت عمرها الدستوري ،لتفتح جدلا لن ينتهي قريبا . ماسبب الاستقالة الان وليس غدا ؟ وهل كانت بسبب انعدام القدرة والطاقة على الفعل والتغيير ؟ هل شعر الوزير ان مهمته انتهت وانه قدم ماعليه ولم يعد بوسعه تقديم المزيد ؟هل كانت الاستقالة يأسا واحباطا وتشاؤما من المستقبل القريب ؟ قدم الوزير مرافعة مطولة ضمّنها رؤيته وتحليله وتوقعاته لاداء النظام مجملا ، في وثيقة مكتوبة ،جعلها شهادة ووثيقة تاريخية من مخضرم سجل فيها تقييمه للوضع السياسي وبنية النظام وعلاقاته الداخلية وزبائنيته، معترفا بان البلاد تحولت الى جثة ميتة وماهي بميتة (زومبي) ،وان اقتصاد البلاد يدار عبر شبكات فساد سرية يشارك فيها زعماء سياسيون وقادة احزاب وكتل وموظفون رسميون يقتطعون مبالغ كبيرة من مالية الدولة بحماية برلمانية وقوة السلاح ودعم قوى اجنبية ،علاوي يعترف بان الفساد محمي من النظام السياسي والدولة لاتستطيع التحرر من سيطرة الاحزاب وجماعات المصالح الخارجية ،ومدراء وزارة المالية يعملون تحت تاثير الاحزاب ،والتدخل الخارجي عنصر فاعل في السياسة العراقية ،ولا امل باصلاح النظام الا بديناميكية اجتماعية (عصيان مدني)ومراجعة دستورية وانتخابات جديدة .وخلاصة المرافعة كانت توكد على ان العراق يحتاج الى قيادة باعلى مستويات الجودة وسلوك اخلاقي في اعلى المناصب ومؤسسات فعالة ونزيهة .ماالذي لم يتحدث عنه الوزير المستقيل ؟؟أو سكت عنه الان ؟ في يقيني ان لدى الوزير الكثير وبمعطيات رقمية ومسميات محددة ،لكنه احجم عنها لاسباب ذاتية تتعلق بسمت شخصيته التي ترفض النزول الى الاساليب الاستعراضية والشعبوية ولغة المهاترات والمتاجرات ،ربما يعود ليدون شهادة جديدة بعدما يستوعب ردود الافعال على بيان استقالته ،والخطابات المتناقضة التي راحت تستفهم وتأول وتتهم ،مايزال لدى علاوي صندوق اسرار ومعلومات قد يبوح بها يوما عندما يجد لها رصيدا ومصلحة عامة ولاترتد سوء على مابقي من جثة الزومبي من حياة سحرية !!!!!!؟.

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.