بغداد/المسلة:
ابراهيم العبادي
لا ينقطع مسلسل الازمات في العراق ،فنحن بلد لم يعش حياته بلا ازمة منذ امد سحيق، ومع كل ازمة تولد واخرى ترحل، يتراكم خزين من الانفعالات وترسخ في الذاكرة الجماعية للناس صور الحزن ومشاعر الخوف والقلق وتنبت احيانا افكار التطرف ويبقى قليل من المعارف التي تصلح للتعلم من التجربة وتفادي الاخطاء.
يندر ان تمر بالعراق انشغالات لاتتصل بازمة غاربة واخرى قادمة ،لكن السنين الاخيرة شهدت تغييرا طفيفا اذ صار بامكان العراقيين، تاجيل الاهتمام بالازمة القائمة والتوجه الى حدث جماهيري عظيم لا يحتمل التأجيل هو زيارة الامام الحسين في العشرين من صفر في كل عام.
عام 2019 وفي ذروة الاحتجاجات الغاضبة والغليان العام الذي صاحبها ،جرى (تعليق) الاحتجاجات لما يقارب الاسبوعين ونست الجموع حرارة الاحداث ومضاعفاتها ومضت تمشي وتقدم الخدمات على الطرق المتجهة الى كربلاء، في العامين اللاحقين تدخل فيروس كورونا مخففا من الاندفاع المليوني، وساهم اقفال الحدود في التقليل من زخم الحشود الخارجية ،في هذا الموسم 2022 ،وجدت حكومتا العراق وايران نفسيهما في قفص الاتهام، فالملايين التي قدمت من ايران وغيرها لم تستوعبهم منافذ الدخول ولا اطوال الطرق وسياراتها ،ولاجميع الامكانات الشعبية السخية ولم يمنع الكرم العراقي والضيافة المجنونة (بلا حدود) دون تعالي النقد للادارات العراقية والسياسة الحكومية التي لم تحسب حسابات عقلانية لدخول مايقارب الخمسة ملايين او اقل من ذلك وربما اكثر، مايثير الدهشة ان زيارة هذا العام استثنائية بكل المقاييس، وضعت الاجهزة الامنية والعسكرية والخدمية في المنافذ والطرق وداخل المدن تحت ضغط شديد ، في وقت تشهد البلاد ازمة سياسية عاصفة وشلل مالي حكومي بغياب الموازنة وتبعثر الموارد ونقص امدادات المياه والكهرباء في اجواء لاهبة وحر شديد.
بسرعة وبلا مقدمات برز الى العلن الحديث عن امن الزائرين ونقص الخدمات وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات والملاحظات، بين متحمس لايرى غير شعار حب الحسين يجمعنا، وبين جريء ناقد لايكتفي بما قدمه العراقيون عن طيب خاطر مطالبا بالمزيد ،فيما ذهب اخرون في ايران الى تحويل قضية الزيارة الى مناكفة سياسية اذ شن التيار المتشدد (الاصولي )هجماته على حكومة رئيسي مدشنا حملة انفصال وابتعاد عن دعمها ولم يمض على توليها السلطة عام واحد.
العراقيون الذين فتحوا منافذهم الحدودية من اقصى اقليم كردستان الى جنوب البصرة دفعوا بكل امكاناتهم لاداء خدمة (ضيافة الزائرين) دون ان يفكروا بمنافع مادية ولا اثر في حساباتهم للسياحة الدينية، لكن ذلك لم يعفهم من (النقد) لانهم لم يستعدوا جيدا، ان لم يكن بعضهم مساهما عن قصد في جعل زيارة هذا العام فوق قدرات التحمل ،عندما اندفعوا بعواطفهم وانفعالهم الديني والسياسي يدعون شيعة العالم للقدوم الى كربلاء دونما حسابات عقلانية للمخاطر الامنية والصحية والمشكلات الخدمية التي تعجز عنها دول حسنة الادارة قوية التنظيم ،ثمة دافع غير مرئي وراء الحماس الزائد للمشاركة في زيارة هذا العام.
من الذي شجع الايرانيين بالخصوص للمجيء بحشود هائلة لا يمكن تنظيم دخولها ونقلها الى كربلاء بسهولة قياسا بامكانات العراق بل حتى بامكانات دول افضل منه ادارة وبنى تحتية ؟لماذا كان القادمون يتوقعون تسهيلات تفوق القدرات العراقية ؟ هل هناك ايحاء خفي حمل الناس على التوجه الى كربلاء دونما مدخرات مالية كافية ولا تصورات عن المشكلات اللوجستية مما عرض الكثير من الزائرين للاحباط بسبب الظروف البيئية القاسية، لايقولن احد ان المشاعر الجياشة والعواطف الدينية والانشداد الطقوسي وحدها هي السبب ،هناك حدود للانفعال الديني الطقسي ،وهناك الموازنات العقلانية بين قدرات التحمل والاستطاعة المادية والبدنية وتوفر الامن الفردي والجماعي وبين الاقدام على التوجه الى كربلاء لاداء شعيرة مذهبية هي ليست من الواجبات التكليفية على اية حال لكنها اقوى منها جاذبية وحماسة ؟.
هذه الاسئلة موجهة الى قوى سياسية عراقية وايرانية والى حكومتي البلدين التي لم تحسب حسابا جادا واكتفت بفتح الحدود وتسهيل دخول الزائرين ،فكانت سببا في تشجيع الملايين على التحرك نحو العراق رغم كل النواقص والصعوبات التي يواجهها.
الجهود المضنية التي تبذلها الادارات العراقية في موسم الاربعين، والجهد التطوعي الهائل الذي يصدر عن احاد العراقيين من فقرائهم الى اغنيائهم ومتوسطي حالهم، تفصح عن امكانات كامنة لمواجهة التحديات اذا احسن تنظيمها وتدريبها وتفجير طاقاتها ،لكن تظل الزيارة موسما لاختبار القدرات ومجالا من مجالات الجدل العراقي المستدام ،وفرصة للنقد وتبادل الاتهامات، فتنظيم زيارة مليونية تفوق العشرةملايين في غضون ايام معدودة عمل تتهيب منه دول كبرى بامكاناتها ،نحن اذن نثبت جدارتنا في ادارة امن الحشود وخدمتها، وننجح نجاحا نسبيا نحمد عليه، غير ان هذه القدرات العظيمة تحتاج الى من يوظفها ويستثمرها لتنمية ونهضة البلاد واعمارها ،ربما كان النجاح في تنظيم الزيارات المليونية هو الدافع الديني والغيرة المذهبية، او لنقل انه اللاشعور المذهبي والرمزية الدينية الكبيرة وربما مشاعر الهوية المذهبية والخطاب الديني الناظم والمحفز لها، السؤال الجدير في هذه المعمعة الا يمكن تحفيز الهمم اشتقاقا من هذه الاخلاقية الدينية للتوجه نحو بناء الانسان والعمران وانتشال العراق من مشكلات التخلف السياسي والاقتصادي؟ من يقوم بهذه المهمة؟ مادور النخب العلمية والثقافية؟ الا من يستوحي تجارب الامم ويوظفها ابتداء من الاخلاقية البروتستانية في المانيا الى مشروع العدالة والتنمية التركي ؟.اسئلة تحتاج الى حوار علمي جاد وقوى سياسية مخلصة ذات برامج نهوض لا صراعات مكاسب سلطة من اجل السلطة فحسب.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
الطريق الى الجنه هو العمل الصالح …ولم نجد حتى اليوم اي عمل صالح يخدم الشعب ….لا مستشفيات ولا مدارس ولاتعليم ولا قانون …ولا امن ولا راحة بال …تردي في القيم وانطاط في الاخلاق وغل في العلاقات وسرقه ورشوة وكل عمل مشين تجده هنافيالعراق…..فعن اي طريق تتكلم ونحن نعيش في دوله يحكمها قطاع طرق