المسلة

المسلة الحدث كما حدث

بين محورين

15 سبتمبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيم

ربما ينبغي على العراق أن يحدد خياراته بعد انقضاء عقدين على سقوط النظام القديم، هل سيكون  “مقاوماً” أو “تطبيعياً”، أو “موائماً” بين علاقاته مع محور “المقاومة” الذي يضم قوى ثورية ملتزمة، ومحور “اللامقاومة” الذي يناصب الأول العداء، ويشكك في متبنياته، ولا يدع صغيرة أو كبيرة  من الموبقات دون أن يلصقها به.

ولمن لا يعرف فإن المحور الأول لا يقاوم التطبيع مع “العدو السابق” للعرب فحسب، وإن كان ذلك في مقدمة أولوياته، بل يعارض النموذج الغربي للتفكير أيضاً. ويعتقد أن القيم الشرقية قادرة على بناء مجتمع صناعي متمدن. ويرى أن الهيمنة الغربية تتخذ أشكالاً عدة، ثقافية وسياسية واجتماعية، لكنها تهدف في الأخير إلى تقويض أسس الحياة الشرقية كلها.

وما هو واضح الآن أن الموقف العراقي منقسم على نفسه، مثل باقي العرب تماماً. فالأغلبية الشيعية التي تمتلك التاريخ والقوة العددية لا تستطيع أن تتقبل فكرة التخلي عن القضية الفلسطينية، لأنها بنظرها المقياس الحقيقي للقرب أو البعد عن الإسلام. أما الفئات الأخرى فأحسب أنها تتساهل في هذا الموضوع. ولا تعتقد أن هذه القضية مهمة إلى هذا الحد. فالكرد لا يخفون علاقاتهم مع العدو التقليدي للعرب، ويؤمنون أنه سيكون حليفاً ممتازاً إذا اشتجر الخلاف مع شركاء الوطن. وقد أصبحت هذه العلاقات علنية بعد هزيمة صدام حسين في حرب الكويت، وإقامة منطقة حماية دولية في شمال العراق عام 1991.

ولم تظهر بين السنة العرب في العراق حتى هذه اللحظة جماعة ترفض الصلح مع العدو. أو يرتفع لها صوت في التنديد به، أو التشنيع عليه في ما يرتكبه من مجازر بحق الفلسطينيين. أي أنهم في وضع يسمح لهم بالدوران كيفما شاءوا. وبالطبع فإن السبب يكمن في أن زعامة المحور الأول معقودة لإيران الشيعية. والسنة العرب – إلا في ما ندر – لا يجدون شراً في هذه الدنيا أعظم من هذا. ومن الغريب أن يتبنوا، وهم الذين اعتنقوا الفكر القومي منذ بدايته، ودافعوا عنه، مثل هذا الموقف. وأن يتحمس له الشيعة العرب، ويبذلوا المهج والأموال من أجله. وهم متهمون في عروبتهم على الدوام!

وأغرب من ذلك كله أن كبار رجال الدين السنة في مصر والسعودية والبلدان الأخرى لم تصدر عنهم أي إدانة التطبيع. ولم يكترثوا لاجتماع القوم على هذا الفعل. لكنهم  لم يخفوا عداءهم الشديد للقوى الشيعية التي بزغ نجمها في القرن الجديد. ولم يكتموا خوفهم من اتساع رقعتها، إلى مناطق أخرى بعد أن امتدت إلى سوريا ولبنان واليمن.

ويبدو أن المؤسسات الدينية السنية لا تحتمل خصمين اثنين إزاء قضية كهذه في آن واحد. فقبل عام 1979 كانت إيران الشاه تقيم علاقات واسعة مع إسرائيل. وكان العرب في كل مكان يرفضون أي صلح أو تفاوض معها، ويعدون ذلك خيانة للقضية. وحينما اندلعت الثورة الإسلامية في ذلك العام، وقع السادات أول معاهدة صلح مع العدو في كامب ديفيد. وبدأت مظاهر العداء تخف يوماً بعد يوم. في حين تصاعدت موجة العداء مع إيران الجديدة.

ولأن فئة غير يسيرة من العراقيين تعتنق هذه النظرية، وتؤمن بجانبها العقائدي، فقد آثرت أن توجه سخطها الشديد نحو الشرق، بدل أن تدفع به باتجاه “الغرب”. وربما كان هذا جزء من الانقلاب الفكري الذي بات يحكم الساحة العربية.

والخشية لا تنبع فقط من الموقف العربي فقط، بل من الموقف الفلسطيني المتشظي في الأصل، أيضاً. فقد يضطره الاصطفاف مع الأكثرية إلى طرح مشاريع لا تخدم القضية، بل تحكم عليها بالفناء. وهذا هو ما يريده الآخرون بكل تأكيد.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.