المسلة

المسلة الحدث كما حدث

رحل القرضاوي فهل سترحل شعاراته؟

10 أكتوبر، 2022

بغداد/المسلة:

ابراهيم العبادي

في قطر التي حمل جنسيتها ،وبعد عمر مديد عاصر خلاله انظمة وافكارا وزعامات واحداث جسام ،رحل عن دنيانا الشيخ يوسف القرضاوي عن ستة وتسعين عاما ،تاركا وراءه تراثا من الافكار والفتاوى والجداليات والمواقف غطى عليها في السنوات الاخيرة انزواءه بسبب الشيخوخة لكنها تحركت مجددا بعيد الاعلان عن وفاته ،اذ انشغل مناصروه في الحديث عن مناقبه وآثاره ،فيما طفق منتقدوه يعددون ما تسببت به افكاره ومواقفه من مآس ومشكلات ودماء.

مبدئيا ما من احد يحوز على رضا كامل وتبجيل شامل ،ونقد الشيخ القرضاوي لم يكن وليد ساعة الرحيل فقد كان نجما تلفازيا وخطيبا للجمعة ورمزا في المؤتمرات وطرفا في المواقف ،ولانه كان (ايقونة)جماعة الاخوان المسلمين وملتزما بنهجها وافكارها وشعاراتها ،فان الاخوان ومناصريهم كانوا يجهدون في تقديمه اعلاميا على انه عالم الامة الكبير وفقيهها المتمرد على الحكام والسلاطين !! في مقابل شيوخ الازهر الكبار المتهمون عادة بمسايرة الحكام والانظمة وملتزمون بطاعتها والانسجام مع سياستها.

وكغيره من مشايخ الاسلاميين كان القرضاوي يجهد في الترويج لشعاراتهم ويساهم في التنظير لحلولهم المزعومة للواقع ،ولكنه للامانة كان ملهما كبيرا للتيار الاخواني والمتأثرين به في شتى بقاع الارض وغدا منذ مطلع الالفية الثالثة رمزا للتيار الاسلامي الحركي وفقيهه الاكبر بلا منازع ،بل كانت اطلالاته الاعلامية تضفي عليه حضورا واسعا وتأثيرا ممتدا خصوصا وانه كان يوصف بانه ذو فكر معتدل قياسا بالتيارات السلفية القتالية التي خرجت من رحم تنظيم الاخوان او التي تشكلت بخليط من فكرهم الحركي وعقيدة السلفيةالمتشددة ،ونزعة التكفير المتأصلة في منهجها.

عرفنا نحن جيل المتدينين الثالث من اجيال الحركات الاسلامية ،يوسف القرضاوي من كتبه التي كانت تطبع وتروج بكثرة في ثمانينات القرن المنصرم ،كان كتابه (الحلول المستوردة وكيف جنت على امتنا )تلخيصا امينا لما عمل وفكر به القرضاوي طيلة حياته ،فالحل عند الاسلاميبن لازمة الدولة والمجتمع في بلداننا ليس في الراسمالية والليبرالية والديمقراطية ،ولا في الاشتراكية والشيوعية والمركزية الصارمة ،بل الحل والبديل هو الاسلام ،كيف ؟ اتفقت كلمة الاسلاميين سنة وشيعة على ان الاسلام هو الطريق الثالث المناسب لثقافة وقيم وتاريخ المسلمين وماعلى العلماء والحركيين الا التجديد ووصل الحاضر بالماضي واحياء وتلفيق وتركيب نظريات اسلامية لادارة الدولة وتدبير شؤون الناس ،فنظرية في السياسة الشرعية ،واخرى في الاقتصاد والمصارف ،وثالثة في القوانين والادارة ،ورابعة في الثقافة والتعليم ،وخامسة في الادب والفن والجمال ،وسادسة في العلوم والمعارف ،وهكذا.

منذ عام 1928 تاريخ تأسيس جماعة الاخوان المسلمين في الاسماعيلية عايش مئات الملايين من المسلمين هذه الافكار التي بدأت مع شعار الاسلام دين ودولة ،والجهاد غايتنا والشهادة اسمى امانينا والشريعة منهجنا نحيا ونموت عليها ،ورغم الافتراقات المذهبية والحزبية ،لكن التيار الاسلامي العالمي ظل ينوس بين هذه الشعارات ،وكل فريق يسعى ويخاصم ويقاتل من اجل ان تكون له القدرة والصدارة والامكانية لتحقيق مفاد هذه المقولات التي يلخصها شعار الاسلام صالح لكل زمان ومكان ،ولا مراء في ان هذه المقولات تسببت في فصول رهيبة من القتل والموت المقدس والاحتراب بين الانظمة والتنظيمات الدينية ثم بين التنظيمات التكفيرية لاحقا والمجتمع والدولة في عالم المسلمين ثم في العالم اجمع.

اتيح لبعض الاسلاميين الفرصة للصعود الى منصة الحكم وادارة الدولة ،فجاءت التجارب في اغلبها مريرة وفاضحة ،مريرة لان التراث النظري الكبير لم يكن قادرا على ادارة الدولة والمجتمعات ،فغرقت البلدان التي حكمها الاسلاميون المتحزبون في اوحال المشاكل المعقدة ثم انقلب عليهم الناس والعسكر والمناوئون ولما يمض على وجودهم في الحكم سوى سنوات قصار ،من نجح منهم في الادارة والحكم لم يكن بسبب متانة النظرية بل بسبب الذكاء في التفلت من اطرها ومقاساتها ،ومازالت التجربة في طور الاختبار .لم يكن العيب في النصوص ولا في اصل الاعتقاد انما في الفهم والاجتهادات ،فالشعار الكبير ،الاسلام هو الحل كان بحاجة الى نمط من القادة والمفكرين والحركيين والساسة والعلماء الذين يوائمون الواقع مع النص ويبتكرون حلولا للمشكلات من تجارب البشر وثمرات العقول ويحققون مقاصد الشريعة وقيم الرسالة واخلاقية الدين ،ليست المشكلة في جمالية وجاذبية الشعار ولا في الاشكال النظرية ،حكم اسلامي ،اقتصاد اسلامي ،قانون اسلامي ،بل في ان يعيش المسلم حياته منسجما مع قيمه الروحية واخلاقياته الدينية ولايشعر بالتناشز بين المثال والواقع.

حاول القرضاوي ان يكون معتدلا في الفكر لكن الواقع المتخم بالمعضلات اجتذبه ليخرج عن هذا الاعتدال المزعوم ،فحار بين حركية اخوانية وسلفية عقائدية ومذهبية صارمة وارثوذكسية طائفية ،فصارت الفتاوى تخرج بحسب احتياجات اللحظة يغلب عليها الانفعال العاطفي والمناط الموهوم، تتأثر بالمعارك الكلامية والمناوشات السياسية وفي كل ذلك كان الشيخ يسجل موقفا مرتبطا بالمناخ السياسي السائد ،فهو مع حقوق الناس الذين ينتمون وينتمي اليهم مذهبيا ،وهو مع حرية البشر الذين يرتبطون به رباطا حزبيا تنظيميا ،فقد ذهب الاعتدال مع تصاعد الشرخ الطائفي في المنطقة ،وبدل الدعوة الى مبدأ الامة الواحدة صارت الدعوة الى ماسواها ،وعوضا عن السعي الى حقن الدماء حلت الدعوات الى الجهاد المقدس ونصرة اهل السنة والجماعة ،فاشتعلت اوطان التعدد المذهبي والطائفي ،وانهدمت دول وتقسمت مجتمعات وصار اهلها شيعا.

كتب القرضاوي عن (الصحوة الاسلامية )مرشدا ومهذبا فاذا به لايرى صحوة المسلمين الا من خلال منظار الاخوان واهمل ماسواهم من قوى تنتمي الى مذاهب وتجارب امام عينيه ،!!!!.

رحل القرضاوي بين مادح رأى فيه كمالا بز فيه الاقران والمجايلين ،وبين قادح يحمله دماء عشرات بل مئات الالاف من ضحايا الارهاب والعنف الذي كان طرفه اصحاب شعار صبغة الله ، وشريعة الله ،وحكم الله ،فهدموا ماهدموا وذبحوا واستباحوا ،وهاهو مشروعهم يتهاوى وتنظيماتهم تتمزق ،وانقساماتهم تضج بها الاخبار ،وصار جيل البديل الاسلامي يتخاصمون على السلطة والمتاع كما تخاصم من قبلهم من لاصلة له بالطريق الثالث ولاينسبون انفسهم الى منصة الوكالة عن الله والرسول ،فاي الفريقين اهدى سبيلا ،اذا كان الخوض في الدماء والاموال والاعراض متماثلا ؟؟؟.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.