بغداد/المسلة:
محمد زكي ابراهيم
اعتاد العراقيون في السنوات الأخيرة، التي شهدت صعود الأحزاب الإسلامية، أن يلقوا بتبعة الفشل الحكومي في بلادهم على أداء هذه الأحزاب، وينحوا باللائمة على زعاماتها التقليدية، ويشككوا في ولائها العقائدي. ويرون أن مشاركتها في الجهاز التنفيذي يجعلها تتحمل مسؤولية ما يشوب عمله من تلكؤ، وضعف، وشبهات فساد.
وفي العادة يبني العامة تصوراتهم على ما يتداوله الإعلام من أخبار، ولا يبحثون عن الدوافع التي تقف وراء ذلك، فليس هذا موضع اهتمامهم على اية حال. وقد لا يختلفون في ذلك عن سواهم من الشعوب النامية الأخرى، التي ألفت هذا النوع من سوء الإدارة.
لكن الواقع أن هذه الأحزاب، التي لم يعد الرأي العام يذكرها بخير، بل ويقوم بجلدها بمناسبة أو بغير مناسبة، تحظى بجمهور واسع من الأتباع. ولا تخلو دورة نيابية من صعود مرشحين منها إلى قبة المجلس. كما أن لها أنشطة اجتماعية وسياسية وأحياناً عسكرية. فهي إذن ليست أحزاباً وهمية تديرها مصالح فئوية أو شخصية. وليس من الصحيح – على وفق النظرية الديمقراطية – إقصاؤها من المشهد العام، أو إبعادها عن أروقة الحكم، لأن هذا الأمر يتعارض مع مبدأ حرية الرأي والاعتقاد والتفكير، الذي يكفله النظام العام للدولة.
وفي ذات الوقت، ليس من الصحيح إطلاق يدها في مصير البلد، أو السماح لها بهدر أمواله وتبديد طاقاته. وليس من حقها الإمعان في زعزعة اقتصاده، وانهيار خدماته، وتشويه صورته أمام الملأ، حتى لو كان ذلك بطريقة شرعية. فالمفروض أنها أحزاب وطنية ذات تاريخ نضالي طويل في مقاومة النظام السابق، ومقارعة رموزه.
إن الحل الأمثل في مثل هذه الحال ليس الإلغاء أو الإبعاد أو المنع، بل في تصحيح المسار، ومراجعة الأداء. فالضغط الشعبي يعني بالضرورة أن هناك أخطاءً يجب العدول عنها، وسياسات ينبغي تجنبها. لكن الديمقراطية لا تعني التخبط وعدم الشعور بالمسؤولية. خصوصاً وأن هذه الأحزاب تفتقد في الغالب إلى ضوابط تحدد نوع الأشخاص الذين يتحدثون باسمها، أو ينتسبون إليها. وقد انضم كثير من الوصوليين والنفعيين الذين يسعون للوصول إلى الوظائف العليا والمتوسطة بأي وسيلة كانت، إليها. ولم تعن من جانبها في البحث عن ماضيهم المهني، أو مؤهلاتهم العلمية، أو التزامهم الأخلاقي. لكنها أفادت من نشاطهم المحموم وقت الأزمات أو في موسم الانتخابات. وهو ما انعكس عليها بشكل سلبي، وأطاح بالكثير من أحلامها بالتفوق والزعامة.
وإذا ما أدركت هذه الأحزاب كنه ما حدث، ووضعت أصبعها على مكمن الخطر، فإن الجمهور الذي كسبته سيزداد قوة وتماسكاً، ولن يتراجع أو ينحسر. أما إذا تغافلت عن هذه الحقيقة، فستتضاءل وتنكمش. وتتحول إلى مجرد طلل بال لا روح فيه، ولا معنى، ولا حياة!
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
من نظام الأسد إلى علم الاستقلال.. الإعلام السوري يغيّر جلده في ليلة وضحاها
العرب بين حداثة الزيف وأزمة الوعي
الازدواجية بين الأسد وصدام