المسلة

المسلة الحدث كما حدث

حوار الحضارات

12 ديسمبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي إبراهيم

في مستهل هذا القرن، حضرت مع نخبة من الرفاق ندوة للدكتور علي رضا بهشتي في بيروت، حول موضوع حوار الحضارات. كان الرجل الذي يعمل أستاذاً في جامعة طهران، ضمن فريق يقوم بشرح أطروحة الرئيس السابق محمد خاتمي، الهادفة إلى تصفية إرث طويل من العداء بين الشرق والغرب. وكانت مقولة صدام الحضارات التي أطلقها صموئيل هنتغتون ماتزال تشغل بال الكثير من الأفراد والمؤسسات في العالم الإسلامي آنذاك.

لقد كانت فكرة الحوار نقلة جديدة في سياسة النظام الإسلامي في إيران، جاءت في خضم التحولات الثقافية، التي اجتاحت العالم في القرن الجديد. ففي الوقت الذي كانت بوادر نشوب حروب جديدة تلوح في الأفق، بعد ما جرى في مانهاتن، كان المسلمون يحاولون تبرئة الأديان من المسؤولية عنها. إلا أن الكثيرين لم يروا في هذه الدعوة أي جدوى، لأنها جاءت من الطرف الأضعف، إلى الطرف الأقوى (أي الغرب). وهو ما يجعل استجابة الأخير لها شبه مستحيلة.

وكان من بين الحضور أستاذ مصري، اسمه الدكتور حسن البنا، لم ترق له فكرة التصالح مع الغرب. وكان يرى أن الأوان لم يحن لها بعد. فهناك ما هو أولى منها، وهو الحوار بين الشرقيين أنفسهم. فعدا عن الخلافات المذهبية التي أدت إلى الانقسام بين المسلمين، في المستويات الدنيا، فإن بوادر الإرهاب كانت قد أطلت برأسها للتو في المنطقة. وهناك داخل الوطن الواحد خصومات تاريخية تحتاج إلى حوار صريح، وبدء مرحلة جديدة من الفهم المشترك. فإذا كانت الدولة متعددة الأعراق والمذاهب تعاني من الفرقة والانقسام، وهي بأمس الحاجة للوحدة والاستقرار، فإن الحديث عن حوارات عالمية لإزالة الخلاف بين الحضارات، يبدو غير منطقي بالمرة.

إن هذا الاعتراض لم يجد له من يدعمه، أو يقف إلى جانبه، في حينه، فقد كان رهط من الحاضرين يذهب إلى ما ذهب إليه المحاضر وهو أن المشاكل الداخلية ناجمة في الأصل من رغبة الغرب في فرض هيمنته على البلاد الشرقية. ومن الطبيعي أن تغيير هذا الهاجس هو المهمة الأساسية للحوار. أما بالنسبة لي، أنا الخارج للتو مثل غيري من العراقيين من جحيم الاستبداد، فقد تصورت أن مشاكل بلادي قد انتهت دون رجعة، بزوال نظام عنصري طائفي لا ينتمي للعصر. ولم تعد الخلافات بين الأعراق والمذاهب تشكل خطراً جدياً.

فالديمقراطية التي تعترف بحقوق الأقليات الثقافية، وتقر مبدأ المشاركة السياسية، لن تلبث حتى تقنع الجميع أن عصراً جديداً قد بدأ في العراق. وأن فكرة حوار الحضارات تعني تحولاً كبيراً في حياتنا المفعمة بالمآسي والفتن والحروب. لقد كنا في الأيام الأولى للتغيير الذي أطاح بالسياسات الخرقاء ننظر للعالم بعيون أخرى أكثر تفاؤلاً ومحبة، ونحلم بعالم جديد خال من المشاكل والهموم.

وبالطبع فإن شيئاً من هذا لم يتحقق لنا. فقد اكتشفنا أن مواطنينا لم يتكيفوا معه. وأن فكرة الصديق المصري باتت أقرب إلينا من دعوة الرئيس الإيراني. فالوئام لا يأتي بالأماني الطيبة ولا يتحقق بالنوايا الحسنة، بل لا بد له من مقدمات طويلة، وجهود مضنية، لا تتوفر في سنوات قليلة. وشيئاً فشيئاً أسدل الستار على مسألة حوار الحضارات، وتوارى أصحابها عن المشهد السياسي، بعد أن اجتاحت قوى ظلامية المنطقة وعبثت بأمنها، وقلبت أوضاعها رأساً على عقب.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author