المسلة

المسلة الحدث كما حدث

فصل الخطاب

26 يوليو، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيم

يظن البعض، بسبب الفوضى التي يشهدها الوضع العراقي الآن، أن هناك صراعاً بين شخصين، أو مجموعتين سياسيتين، للاستحواذ على منصب الرئاسة. وأن التوازن القائم بينهما هو توازن محكم، يبدو كل منهما فيه صنواً للثاني.

والحقيقة أن المجتمع الشيعي، وهو عماد الوضع السياسي برمته، كابد انقساماً فكرياً واجتماعياً وثقافياً بين فرعين اثنين. وباتت احتمالات الفراق أكبر وأوضح من احتمالات الالتئام. وبسبب هذا لا يملك الآخرون، الذين ينتظرون نهاية هذا الصراع بغير ما اكتراث، إلا أن يترقبوا ساعة الحسم، دون أن يتمكنوا من التدخل فيه، إلا لماماً.

إن هذا الانقسام ليس مجرد ظاهرة شيعية، كما قد يتصور البعض. وليس محض ظاهرة عراقية كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هو سمة المجتمعات النامية جميعاً. ففي كل دولة من دول المنطقة يوجد مثل هذا الشق، لأنه مرتبط إلى حد بعيد بالصراع حول القطبية العالمية. كل ما في الأمر أن ما حدث في العراق أدى إلى تعطيل الحياة السياسية المبنية على مجموعة هياكل يسند كل منها الآخر.

ومن الطبيعي أن ينعكس الانقسام العالمي الذي جعل الولايات المتحدة وأوربا وإسرائيل ودول الخليج في جانب، وروسيا والصين وإيران وبعض البلدان العربية في جانب آخر، على العراق بشكل حاد. فهو يواجه مشكلات جدية في بنية النظام الحاكم. وبالإمكان معرفة من يصطف مع الشق الأول، ومن يصطف مع الشق الثاني، وهؤلاء ينتمون إلى أجنحة متعددة لا تربطها رابطة. فقد اجتمع الحزب الديني الذي ينتمي إلى مرجعية بعينها، مع اليسار الذي يعتنق الماركسية، والقومي الذي كان يدين بالولاء لصدام حسين، معاً في خندق واحد. ومن أعجب العجب أن يكون هوى أتباع النظام السابق أمريكياً خليجياً، وهم الذين أسقطوا هذا النظام، ومكنوا خصومه من التنكيل بزعاماته. ومن الغريب أن يجنح اليساريون نحو دول الخليج، مع أنهم كانوا يصمونها بالرجعية، وهكذا. أما الطرف الآخر فمازال ملتزماً بالنفس الثوري القديم، الذي يظهر العداء للدول الغربية ذات السياسات الداعمة لإسرائيل، ويتمسك بالقيم المشرقية، وثوابت الدين.

يبدو الانقسام المذهبي الذي خلقه هذا الاصطفاف العجيب واضحاً للعيان. مع كل ما يعنيه ذلك من استقطاب وكراهية. فثمة من يشعر أنه وحده على صواب، وأن سواه خارج عن الإجماع، ولا بد من ساعة الفصل، ويوم الحساب. فالانقسام الشيعي هذا هو انقسام بين العقل والمنطق، والرغبة في الاستقلال التام، من جانب، وبين الخضوع لتجليات الحضارة الغربية ونزعة الهيمنة، من جانب ثان. ولست أستغرب هذه الظاهرة، التي تتكرر على امتداد التاريخ، لكن ما أستغربه حقاً هو كيف يمكن لقوى تملك الوعي والإصرار والعزيمة أن تسمح بتغول هذه الصراع إلى حيث العبث والفوضى واللاعودة!


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.