بغداد/المسلة الحدث:
ابراهيم العبادي
عرف غابريل الموند الثقافة السياسية :بانها مجموعة من المواقف والمعتقدات والمشاعر التي تدور حول السياسة الجارية في دولة ما وفي فترة زمنية معينة ،وفي تعريف مشترك له مع سيدني فيربا :بانها التوجهات السياسية ازاء النظام السياسي واجزائه المختلفة ،وتشير ايضا الى الاتجاهات ازاء الدور الذي يقوم به الافراد في النظام السياسي .اما اريك رو فانه يتحدث عن :نمط القيم والمعتقدات والاتجاهات العاطفية الفردية ،وهو يرى ان الثقافة السياسية تتكون من مجموعة معارف ومعتقدات تسمح للافراد باعطاء معنى لتجربتهم الروتينية في علاقتها مع السلطة التي تحكمهم .
فيما يتحدث الدكتور صادق الاسود في كتابه الرائد (علم الاجتماع السياسي )عن مستويين للثقافة السياسية الاول :مستوى الافراد حيث يرى ان جوهر الثقافة السياسية هو الجانب النفسي ،كيف يشعر الفرد ؟وكيف يفكر بالقواعد والمؤسسات والرموز التي تكون النظام السياسي ؟ ،وكيف يستجيب لها ؟اي كيف تؤثر في سلوكه ؟ .
اما المستوى الثاني فهو مستوى النظام السياسي والعناصر التي يتكون منها وموقف الجماهير منه .
في ضوءهذه التعريفات نخلص الى ان الثقافة السياسية تتلخص او تتمثل في اتجاهات الرأي العام في زمن معين ،والاتجاهات بطبيعة تكوينها تتضمن جوانب ثلاثة ،جانب معرفي وجانب وجداني وجانب سلوكي ،والمعرفي يشير الى المعتقدات والافكار فيما يشير الوجداني الى القيم والاحكام ، ويشير السلوكي الى ما يتحقق فعلا من افعال ونشاطات وحركات ومواقف .
تسعى النخب والقوى الفاعلة في المجتمع الى ترسيخ انماط من الثقافة تدل على توجهاتها وقيمها ومعتقداتها ،وهي تمثل المباديء المرجعية والمصادر المعرفية التي تسوقها للجمهور ، ورغم وجود فوارق نوعية بين ثقافة النخبة وثقافة الجمهور غير ان اعتماد نخبة المجتمع او قسم منها لايديولوجيا معينة ونجاحها في تسويقها اجتماعيا وسياسيا ، يخلق نوعا من التجانس بين فكر النخبة وفكر الجمهور بما يسمح بتاطر الثقافة السياسية العامة بهذا الاطار الذي يحدد سلوك الاغلبية انطلاقا من المرجعية الفكرية -السياسية التي سادت ، وتصبح ركنا ثابتا في التفكير والاعتقاد والاحكام والمشاعر.
يعود الموند وفيربا الى الحديث عن ثلاثة انماط من الثقافة السياسية ،الاول :النمط الرعوي الذي يستوعب الثقافة المحلية القائمة على العلاقات القرابية والعشائرية والطائفية ، انه نظام ثقافة ماقبل الدولة الحديثة والمجتمع الوطني ،ثم (الثاني ) نمط ثقافة الخضوع حيث يسود نظام مركزي شمولي يحمل الافراد على التسليم والخضوع والانصياع ،والنمط الثالث هو نمط المشاركة الذي يقوم على ركنين اساسيين هما حقوق المواطنة والمشاركة في صنع القرار السياسي ،المواطنة تقتضي التزاما بالحقوق والواجبات ،والمشاركة تعني دورا فاعلا في الشأن السياسي بهدف التاثير في السياسات العامة وصنع المواقف والقرارات ،تأييدا او معارضة .،وهذه تقتضي قناعة باهمية وجدوى المشاركة، وانها جزء من حقوق المواطنة ،التي لاتتحقق بطبيعة الحال الا في نظام ديمقراطي تعددي ،بمعنى ان بلوغ اعلى مراحل الثقافة السياسية او نمطها الاعلى يتحقق بالسعي الى اقامة دولة المواطنة بنظام سياسي ديمقراطي القيم والتوجهات ، معني بحقوق الافراد كعنايته بالحصول على تاييدهم وولائهم.
اذا اتيح لباحث ان يستقصي ويستطلع انماط الثقافة السياسية السائدة في بلادنا حاليا ،ماذا سيجد ؟ومالنتائج التي سيخرج بها ؟.
بدون الذهاب الى اسلوب التعميم المضر ،لكن قدرا من الموضوعية يسمح بالقول ان مجتمعنا يعيش انماط الثقافة السياسية الثلاثة المشار اليها انفا وبنسب متفاوتة ،فما زالت ثقافة الرعوية والانصياع والخضوع تسيطر على قسم كبير من السلوك السياسي في البلاد ،اذ لم يتحرر الفرد العراقي من عبادة اصنامه السياسية وماتزال المسافة طويلة لم تطو بعد بين ثقافة المواطنين الاحرار الذين يفكرون بعقولهم وينطلقون من انسانيتهم ومصالحهم وبين ثقافة العبيد الذين يتمسكون باخلاق الطاعة ،يؤمَرون فيطيعون ،ويقدسون ويخضعون لزعاماتهم الاوحدية ورموزهم السياسية ، وماتزال افكار وشعارات كبرى تهيمن على تفكيرهم ،فالدولة ماتزال تمثل الراعي الاكبر ،واشتراكية الدولة ،وتمركز السلطة ،وهيمنة القطاع العام ،تمثل نموذج الرعوية والخضوع الذي يتحدث عنه الموند وفيربا ،ايضا هناك قدر كبير من التماهي بين قيم (الولاء على اساس قرابي او عرقي او ديني -طائفي ) وقيم العمل السياسي ،التي تفترض ولاء للدولة والوطن والجماعة الوطنية الاكبر ، فالقومية والمركزية العرقية ،والامة بمفهومها القومي والعقائدي ماتزال تهيمن على نظام التفكير ليس لدى النخب فحسب بلدوالجمهور ايضا ،وهذا تناقض صارخ داخل الثقافة السياسية ،يجعل الفرد لايفرق بين عمل سياسي في مجتمع مفتوح ومصالح عامة وقضايا اساسية تخص الدولة والنظام والمجتمع، وبين ضغوط المصالح الخاصة والضيقة من جهة او المثل الكبرى ذات النزعة الايديولوجية من جهة ثانية .هذا التناقض انتج تيها سياسيا وفكريا وقيميا صار مشكلة بل اشكالية كبرى ،فماذا يريد العراقي ؟ماهي اهدافه السياسية ؟كيف يحققها ؟.
يعيش العراقي ضروبا من السلوك السياسي المتناقض بين قيمه واعتقاداته ومصالحه ومطامحه ،فهو يريد جمع متناقضات عديدة في لحظة زمنية واحدة ،انه يريد عدالة اجتماعية وشفافية سياسية ونزاهة سلطوية ومسؤولية اجتماعية عالية ويتصرف خلاف مايحقق له ذلك ،ربما دون وعي سياسي منه ،غير انه يمتنع عن الانصات وقبول التحول والتغيير ،لان لديه ثقافة سياسية صارت تمثل له ثوابت في تفكيره السياسي لاتقبل التغيير.
من صنع له الثوابت وكيف اصبحت جازمة وصارمة لديه ؟ ذلك مايحتاج الى تفصيل اخر ؟.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
كيف انتهى حلم الكيان باحتلال ست دول عربية ؟
مقتل 3 ضباط من الكيان بمخيم جباليا
دول خليجية تحث أميركا على منع الكيان من قصف حقول نفط إيرانية