المسلة

المسلة الحدث كما حدث

من ذاكرة الاصدقاء في مدينة الحرية

من ذاكرة الاصدقاء في مدينة الحرية

9 يناير، 2024

بغداد/المسلة الحدث:

نبيل محمد سمارة

كان يفترش محمد الارض , الشاب الذي بدأ يقترب من الحادي والعشرين من العمر , قرب باتا في مدينة الحرية وهو يبيع نوع من الحلويات ” الداطلي” وربما لا يصل في بعض الاحيان ,ما يبيعه يسد حاجته كشاب ,او ما يصل للحصول على وجبة غذاء في مطعم جيد,المأخوذ عن محمد لدى اهالي مدينة الحرية انه شاب مجنون , ولا يمكن التعامل معه الا على هذا الاساس.

وهذا الامر جره في بعض الاحيان الى الشك بنفسه على انه مجنون . نتيجة للضغط المجتمعي , فهو شاب اشعث الشعر غير مرتب الهندام يقذفوه الاطفال بالحصو والطماطم بدون رحمة , ببساطة كان محمد زميلي في الدراسة الابتدائية , لم يكن مجنونا , او حتى قريبا بأي شكل من اشكال حافات الجنون ,ولكنني استطيع القول :بأنه كان طفل غريبا وفيه شيئ من الفرادة , تلك الفرادة التي يمكن ان تتلخص في كونه يميل الى العزلة و التلعثم في نطق الكلمات.

وكل تك الامور كان يمكن ان تمر مرورا عاديا فيما لو تعامل معها المحيط المجتمعي , الذي يعيش فيه محمد , بعدالة وعلمية وخوف من الله , لكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما , فالتعامل مع محمد من قبل ابعض المعلمين والكثير من التلاميذ , لم يكن تعاملا جديا , بل كان تعاملا مملؤ بالسخرية واللامبالاة وعدم الاحترام , وكم هائل من الكلمات الجارحة التي جعلت من صديقي محمد يفقد ثقته بنفسه يوما بعد يوم , ويميل الى العزلة اكثر فاكثر , وزادت حالة التلعثم في نطق الكلمات عنده الى الحد الذي جلته كثير التغيب عن المدرسة , وحتى جاء اليوم الذي ترك فيه محمد الدوام كليا , وليضل حبيس البيت عدة سنوات.

فاخباره انقطعت عني , ولم اعد اعرف مصيره , الا ان وجدت ابن خالته وسألته عن زميلي محمد فقال لي : قد غادر بغداد لينتقل الى شمال العراق مع عائلته , غياب زميلي محمد بقى مجهولا الى بعد سنتين مضت , واذ بي اتفاجئ برؤيته في شارع المتنبي , فركت عيني ربما ان هذا الشخص شبيه بمحمد , دنيت له وسألته هل انت محمد الجاف , نظر لي وسارع بأحتضاني وتقبيلي امام مثقفي المتنبي , كان هذه المرة هنداما بملابسه وذو شخصية رائعة , وقال لي: يا نبيل اني اليوم اعمل اعلاميا في احدى فضائيات كوردستان وبعد مغادرتي بغداد عدت للدراسة, لم اتصور ان زميلي المجنون اصبح من الشخصيات التي يحسب لها الف حساب , كان لقاء حميم وذكريات لا تنسى بعد غياب طويل , ادركت ان محمد المجنون لو بقى في بغداد لكان اليوم في مصحة الامراض العقلية او ربما مات من تصرفاتنا نحن العرب.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.