بغداد/المسلة:
مظهر محمد صالح
في الجناح الجنوبي من منزل بلير Blair house اتخذ الرئيس هاري ترومان، الذي امتدت ولايته بين العام 1945 والعام1953 مكتبا مؤقتاً له مجاورا للبيت الابيض، حيث سُئل يومها، ما الفرق بين الركود والكساد في الاقتصاد..؟ وهل حقا ان الركود يعني الاصابة بالزكام والكساد يعني مرضاً مزمناً طويل الاجل؟
تبسم ترومان صامتاً في سره متسائلا قبل ان يجيب: «يخيل لي ان الامور الاقتصادية اخذت تمضي في مجرى جديد بعد ان وضعت الحرب الثانية اوزارها، فبعيداً عن هموم الركود الاقتصادي، عليَ ان امهد الطريق لتبتعد بلادنا عن الكساد ومشاقه في تكاثر البطالة وتدني الازدهار»، هنا انتبه الرئيس على وقع السؤال ليجيب من فوره: «الركود هو عندما يخسر جارك فرصة عمله، والكساد هو عندما تخسر انت بنفسك فرصة عملك».
الركود الاقتصادي يعني تدهورا في نمو الناتج المحلي الاجمالي ويمتد لفصلين متعاقبين، الامر الذي يدعو البنوك المركزية الى خفض الفائدة لتحفيز الطلب على السلع والخدمات والاستثمارات معا،ً ومن ثم تحفيز النمو وخفض مستويات البطالة.في حين يصل الاقتصاد الى مراحل الكساد عندما يتخطى التدهور في النمو الاقتصادي ثلاثة فصول اواكثر. اذ يؤشر الكساد هبوطاً حاداً في الانفاق الكلي والانتاج معاً. ونتيجة لذلك تهبط الارقام القياسية للسوق المالية وتنحدر الكثير من الشركات الى الافلاس، وترتفع معدلات البطالة بين العمال.
وهنا تذهب الحكومات الى تبني برامج تحفيزية من خلال توسيع مجالات الانفاق الحكومي والسماح لعرض النقد بالتوسع. ولكن يبقى اللغز لماذا سُئل الرئيس ترومان عن الفرق بين معنيي الركود والكساد؟. في نهاية الحرب الاولى التي كان ترومان جنديا فيها، بدأ عمله في السوق مع شريك في محل لبيع المواد المستعملة، ولكن تعرض في العام 1921 الى خسارة نجمت عن ظاهرة الركود التي ضربت البلاد آنذاك ولم يستطع ترومان تسديد ما بذمته من ديون حتى العام 1934.
والاغرب انه في نهاية الحرب العالمية الثانية وعند توليه الرئاسة ،انتقلت اميركا وعلى نحو مضطرب من اقتصاد الحرب الى اقتصاد السلام متعثرة بشيء من الركود وهو الامر الذي تزامن بتسريح جماعي للجنود القدامى، فضلا عن التباطؤ الذي شهدته مصانع السلاح وتسريحها لآلاف العمال. وبهذا اشتدت مخاوف الرئيس من ان تنزلق البلاد الى الكساد الاقتصادي ليكون مماثلا للكساد العظيم في العام 1929.
ختاما، تم تجديد البيت الابيض في العام 1948 يوم اشارت التقارير الهندسية الى ان مقر الرئيس قد اصبح متهالكاً بعد مرور 130 عاماً على تشييده ما اضطر الرئيس ترومان الى ان يأخذ الجناح الجنوبي من (منزل بلير) المجاور للبيت الابيض. فعلى سبيل المصادفة الموضوعية اصطحبني مضيفي في منزل بلير نفسه في ربيع العام 2015 ليطلعني على الجناح الجنوبي للرئيس ترومان، وقد تمعنت حينها بالنظر الى الطاولة التي شغلها الرئيس واستطردت في سري قائلا: «هنا جرى التفريق حقاً بين الركود والكساد».
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
أسباب الانهيار وفرار الأسد: هرب الضباط الفاسدون وتركوا الجنود لمصيرهم
السوداني يرفض حلّ «الحشد» العراقي بإملاء من الخارج
الداخلية: إصدار أحكام بالإعدام على 82 متاجراً بالمواد المخدرة