المسلة

المسلة الحدث كما حدث

التعددية

6 أغسطس، 2022

بغداد/المسلة: محمد زكي ابراهيم….

ربما لا تعني كلمة الانقسام شيئاً لدى دول كثيرة في هذا العالم، ولا تؤشر إلى خلل ما في منظومتها الأمنية. لكنها في العراق غير ذلك تماماً. فهي إضافة حزينة إلى تاريخه المفعم بالعلل الجسام. ونهاية مؤلمة لوجوده المجلل بالحوادث العظيمة.

ثمة سبب رئيس في حدوث مثل هذا الانقسام هو التعددية، أو انتشار مذاهب وأعراق وجماعات هنا وهناك في البلاد. وقد أضحت التعددية علامة فارقة لدول متقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا ودول غربية أخرى، وغدت من عوامل القوة فيها. لكنها من أعقد المشاكل في العراق، وأكثرها وعورة وأذى، وأشدها تأثيراً على مستقبله وأمنه.

ويبدو أن هذه البلاد لم تكتف بما جنته من آلام بسبب هذه المعضلة، فأخذت تنقسم على نفسها من جديد، وأصبح كل مكون من مكوناتها شقين اثنين. والأدهى من ذلك كله أن المكون الأكبر الذي حمل على عاتقه حماية الدولة من خطر الذوبان، بات على شفير حرب ضروس، ستنال منه ومن عناصر القوة فيه، بشكل غير مسبوق.

كثيراً ما أسمع من بعض المستغربين أن حل مشكلة العراق يكمن في سلطة مدنية، يتساوى فيها الجميع أمام القانون. ويعرف كل امرئ موقعه على الأرض. لكني لم أعرف بعد لماذا انقسمت المكونات “المدنية” على نفسها، ولماذا بات الكرد المدنيون نصفين، ولماذا تحول العلمانيون “الغربيون” إلى مجموعتين؟

وهناك شئ لا أفهمه، ولا أدرك كنهه. وهو سبب اللجوء إلى النموذج الغربي في كل صغيرة وكبيرة، في الوقت الذي يحتفل فيه الناس بذكرى الثورة عليه، ويصفون تدخله لكف الأذى عنهم بالاحتلال؟

ولا أعرف لماذا يعتنقون مبادئه وكأنها قانون الخلاص، ويعتقدون أن شعوبه تعيش في أقصى درجات الكمال. ويتولون نيابة عنه الدخول في صراعات مع أهل البلاد. مع أنهم يتبجحون بمقاومته وسحب البساط من تحت رجليه؟

ليس عندي أدنى شك أن التعددية في العراق، هي السكين التي ستذبح شعبه. وهي الآفة التي ستفتك به. وتمزق شمله إلى دويلات يناصب بعضها بعضاً العداء.

إن وحدة الصف لن تتحقق بالأماني الطيبة، ولا بتشجيع الانتماءات الفرعية، ولا السماح لمجموعاتها الصغيرة بتطوير ثقافاتها الخاصة. بل بإدماجها في المجتمع الواحد الكبير. وقد حدث في دولة نووية عريقة، مثل فرنسا، أن منع خطباء الجمعة في مساجد المسلمين من استخدام لغة غير لغة الدولة. ولم يسمح لنسائهم بارتداء لباسهن الخاص.

ربما يتعارض هذا مع ما يطرح من أفكار أتى بها النظام العالمي الجديد، بعد انهيار الكتلة الشرقية. لكن هذا النظام لم يستطع منع شعب يوغسلافيا السابقة، وهو شعب أوربي، من التشظي إلى دول وأقاليم. وهو ما يحتم على هذه البلاد، أن لا تركن إلى التواكل، وأن تعض على قوانينها الخاصة بالنواجذ.

بدون ذلك لن تتحقق أمنية الوحدة، ولن يعود العراق قوياً. ولن يصبح بإمكان شعبه الحديث عما لديه من خبرات، وعقول، وحضارات!


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.