بغداد/المسلة تُعد ظاهرة الفساد الشبكي من أخطر التحديات التي تواجه النظام السياسي والاقتصادي في العراق. وهذه الظاهرة تتمثل في تواطؤ جهات متعددة من مختلف المستويات الحكومية والخاصة لتحقيق مكاسب غير مشروعة من المال العام، وهو ما يعكسه بوضوح ما بات يُعرف بـ “سرقة القرن”.
وهذه القضية لم تقتصر على سرقة مبالغ هائلة من الأموال العامة، بل كشفت عن شبكات معقدة من الفساد تضم أكثر من ثلاثين متهمًا ومدانًا حتى الآن، والمبالغ المسروقة ارتفعت لتصل إلى أكثر من 8 مليارات دولار، وهو رقم يفوق التقديرات الأولية بكثير.
فيما يخص سرقة الأمانات الضريبية، تشير التحليلات إلى أن هذه السرقة ليست مجرد عمل فردي أو حتى جماعي بسيط، بل هي جزء من شبكة فساد أوسع تضم مسؤولين في مواقع حساسة، يعملون بتناغم مع عناصر أخرى في أجهزة الدولة، وربما حتى خارجها، لضمان تنفيذ السرقة وإخفاء معالمها. هذا النمط من الفساد يشير إلى وجود اختلالات هيكلية في النظام الرقابي والقانوني في العراق، مما يتيح لهؤلاء الفاسدين التلاعب بالمال العام دون الخوف من المساءلة الفورية.
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن هيئة النزاهة الحكومية نفسها ليست متأكدة من الحجم الإجمالي للمبالغ المسروقة، وهو ما دفع رئيس الهيئة إلى مطالبة مدير هيئة الضرائب بتقديم تقرير دقيق عن حجم الأموال المسروقة خلال فترة قصيرة. هذا الغموض في تقدير حجم الأموال المسروقة يعكس ضعف التنسيق بين الأجهزة الحكومية ويشير إلى احتمالية تواطؤ أو تهاون من قبل بعض المسؤولين في الكشف عن الحقيقة.
استمرار التحقيقات من قبل مجلس القضاء الأعلى وهيئة النزاهة الاتحادية وفريق التقصي، بالإضافة إلى ديوان الرقابة المالية، يعكس جدية الحكومة في محاولة استعادة الأموال المسروقة ومحاسبة المتورطين، لكن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على تفكيك شبكات الفساد العميقة التي لا تزال تمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار النظام في العراق.
تحليل هذه القضية يكشف عن حقيقة مرة، وهي أن الفساد في العراق قد تطور من مجرد أعمال فردية إلى شبكات معقدة، تتطلب استراتيجيات متعددة الجوانب للقضاء عليها. لا يكفي فقط ملاحقة المتورطين؛ بل يجب تعزيز الأنظمة الرقابية والقضائية لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل. فالحفاظ على نزاهة النظام يحتاج إلى مواجهة جذرية للفساد الشبكي، الذي لا يهدد فقط الاقتصاد، بل ينخر في مصداقية الدولة ومؤسساتها.
وكشف رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون عن تفاصيل جديدة، مبينا نجاح الهيئة في استعادة بعض المتهمين من أصحاب الشركات الضالعة في السرقة، بينهم قاسم محمد الذي كان يشغل منصب المدير المفوض لشركة “الحوت الأحدب” بعدما ألقي القبض عليه في إقليم كردستان، حيث بلغت السرقات المسجلة باسمه 988 مليار دينار (نحو 7 ملايين دولار) مشيرا إلى أنها ليست أرقاما نهائية.
وأُعلن عما يعرف بسرقة القرن في عهد الحكومة السابقة عام 2022، على خلفية اشتراك تحالف مؤلف من 5 شركات وهمية في سرقة وسحب مبلغ 3 تريليونات و750 مليار دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) من الأموال التي أودعتها كبرى شركات النفط في حساباتها الضريبية باستخدام أوراق وشيكات مزيفة.
وبحسب رئيس هيئة النزاهة، فقد ألقي القبض في وقت سابق على المتهم محمد فلاح الجنابي، وهو المدير المفوض لشركة “القانت” والمتهم بسرقة تريليون و85 مليار دينار (نحو 7 ملايين دولار) عبر 79 صكا مزورا، إلى جانب إيقاف المتهم الثالث بسرقة الأمانات الضريبية، في الإمارات، والذي سوف يتم استرداده قريبا.
وبين حنون أن المتهم الرابع هو علاء خلف مران، الهارب حاليا خارج البلاد، وكان منسوبا بمكتب الكاظمي حينها، وهناك أيضا المتهم حسين كاوه ويشغل منصب مدير مفوض لإحدى الشركات المتهمة بالسرقة، والذي ما زال موقوفا في أربيل. وأضاف القاضي أن المساعي جارية مع إقليم كردستان لاسترداده مع مشتبه آخر موقوف أيضا ومتهم بسرقة 624 مليار دينار، من خلال 37 صكا.
وعدد المتهمين فاق الثلاثين، وقد تم استرداد أكثر من مليوني دولار و155 مليون دينار عراقي، مؤكدا أن المتهم الأول نور زهير أفرج عنه بكفالة وهو خارج السجن، ونوه إلى أن “قضية سرقة القرن لن تموت مهما حاول الفاسدون حجبها عن الأجهزة الرقابية وأنظار الشعب”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، تم الكشف لأول مرة عن قضية سرقة القرن التي تورط فيها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال، وأثارت سخطا شديدا في البلاد التي شهدت السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد.
ومنتصف يوليو/تموز الماضي، عد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني موضوع سرقة الأمانات الضريبية نقطة سوداء في تاريخ الدولة، موضحا أنها نُفذت بغطاء رسمي، وكشف عن تهريب نصف أموالها إلى الخارج.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
البطالة القانونية: عندما تتحول العدالة إلى أزمة مهنية
دعوات الى تشريع يخفض رواتب وامتيازات اعضاء البرلمان المقبل
الصحة: لا وجود لمتحور جديد لفايروس كورونا في العراق