بغداد/المسلة: مرّ العراق خلال السنة الماضية عبر أزمة سياسية غير المسبوقة والتي إنتهت، على ظاهرها، بتشكيل أركان الدولة من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء. وكان أمل الكثير من العراقيين بأن تنتهي تلك التحديات، وأن تجد الدولة والبلد الإستقرار التام. لكن أدركت المشهد السياسي والإقتصادي صدمات جديدة مثل ضعف الدينار العراقي أمام إرتفاع أسعار الدولار الأمريكي الذي تأثرت منه حياة كافة العراقيين، وكذلك إستمرار التوترات في الساحة السياسية.
يأتي ذلك، في رأينا، نتيجة عدم إعطاء الإهتمام اللازم لبناء المرحلة الآنية على الأسس الصحيحة وذلك بإعطاء الفرصة للحوار الوطني الموسع، وبحل المشاكل عميقة الأسباب وعالية التأثيرات قبل التركيز على تشكيل مؤسسات السياسية والسيادية. وإن ذلك الأمر قد نوهنا عنه في البيان الرقم ٩ الذي صدر في أيلول 2022، حيث طرحنا ملامح المبادرة التي تطمح إلى تقديم التصور البديل ولحل مستديم للأزمة السياسية والإجتماعية الراهنة.
إنّ أحد محاور المقترح المقدم، تذكيرا لمضمونه، كان أن تلعب رئاسة الجمهورية دورا وسطيا وجامعيا بين الأطراف لإطلاق عملية إعادة بناء الحوار الوطني السياسي. وذلك من أجل القيام بالتحليل ومعالجة المشاكل بشكل جذري وليس سطحي. وكذلك تشكيل الكابينة الفنية المؤقتة بدلا عن الإستعجال في إختيار الكابينة السياسية، إلى حين إستكمال أعمال الحوار. وأخيرا، تولي مهمة إطلاق المبادرات الدبلوماسية من قبل رئاسة الجمهورية من أجل تأمين حسن التعاون مع الجهات الدولية المؤثرة وضمان حماية مصالح العراق من التأثيرات الخارجية السلبية. وكل ذلك لضمان الهدوء والإستقرار في المجتمع وإزدهار البلد.
من خلال مشاهدة الأحداث وردود الأفعال تجاهها، في الأشهر القليلة الماضية من تشكيل رياسة الجمهورية ومجلس الوزراء، نلاحظ أنّ رئاسة الجمهورية لم تتمكن من القيام بدور فعال ومؤثر في المشهد العراقي والدولي. كذلك واجهت الكابينة تحديات كبرى في ملف أسعار الدولار وغيرها، بالإضافة إلى عدم الهدوء أو الحوار بين الأطراف السياسية الرئيسية، بما في ذلك مشكلة عدم المشاركة الفعالة من قبل التيار الصدري في شؤون الدولة. بل وزاد الخوف من توقعات التوترات والإنسدادات الجديدة. مما أضافت توترا جديدا يضاف إلى حجم التوترات الموجودة سابقا، وبحِس المسؤولية تجاه الوطن، أودّ أن أشارك الرأي العام ومؤسسات الدولة والقيادات السياسية في مقترح مبادرة وطنية التي سوف تطمح إلى ملئ الفراغ في موضوع إيجاد منصة حوارية محايدة لتبادل الآراء بين كافة الأطراف العراقية، وإيجاد الحلول المناسبة والشمولية للفترة القادمة. ويمكن تحقيقه بتبني خارطة طريق ذات أبعاد ثلاثة وهي كالآتي:
– إطلاق الحوار الوطني الموسع الشامل بين جميع الأطراف وذلك بالإدارة الفعالة والماهرة من قبل المنصة المستقلة التي ستشكل من الشخصيات العلمية والأكاديمية والمجتمعية والثقافية والإستشارية، داخليا وخارجيا، ومن أجل ضمان جودة ونجاح هذا الجهد، يوصى بإختيار رئيس المنصة من الشخصية المحايدة المستقلة ذات الطابع الوطني، المتوازن والقريب من جميع الأطراف، والتي تتميز كذلك بالمهارات العملية العالية.
– تشكيل الفريق الإستشاري المهني (للمنصة الوطنية المستقلة) للبحث/ أو تقديم التصورات لمواجهة الأزمات الراهنة والقادمة. وإن الدراسات الإستشرافية تشير إلى إحتمال كبير لوقوع سلسلة الأزمات والتحديات الكبرى في مساحات مختلفة، إقليميا ودوليا. وكذلك تطوير المقترحات للسياسات العامة المناسبة لمواجهة تلك التحديات بشكل إستباقي من أجل تقديمها دعما لعمل الحكومة والبرلمان.
– التركيز على فتح القنوات الجديدة الموازية للحوار الدولي مع دول الجوار ومع الدول الكبرى بهدف تأمين التوازن في العلاقات الدولية، ومن أجل توجيه الطاقات الدولية إتجاها مناسبا ومفيدا للعراق. ستشكل تلك الجهود سندا مستقلا لعمل مؤسسات الدولة من أجل تأسيس الثقة والإطمئنان مع الأطراف الدولية. وبالنتيجة، سيهدف ذلك الجهد إلى ضمان التصدي عن التدخلات الخارجية السلبية وإلى تخفيف الضغط على بلدنا الحبيب.
وإني منذ فترة ترشحي لرئاسة الجمهورية السنة الماضية، وبدعم علمي قيم من قبل مؤسسة “بيت معرفة مدن” المتخصصة في صناعة الفكر والسياسات، ركزنا على تطوير الآليات الإدارية والقانونية والدبلوماسية اللازمة للتطبيق السلس لخارطة الطريق. ويتميز هذا التصور عن غيره بأنه مبني على التحليل العميق، في ظل المنهج العلمي للإستشراف المستقبلي. وإني أؤمن بأن بلدنا بحاجة إلى توحيد وتوجيه الجهود لكفاءات أبناء الوطن لإطلاق لمثل هذه المبادرة، وإن كانت هي متواضعة في إمكاناتها وإطارها. لكن الأمل انها تساند عمل القيادات السياسية البناءة والشريفة لتقديم حلولا لتوحيد بيت العراق السياسي والإجتماعي. وكذلك تساهم في إعادة وتقوية الثقة بين المجتمع والمؤسسات الرسمية والسياسية.
وفي هذا السياق، أدعو الشخصيات والمؤسسات المعنية بهذه الأفكار لعقد اللقاءات والحوارات خلال الفترة القادمة. وأشكر مقدما جميع الأطراف المعنية لحسن القبول لهذه المبادرة ولإهتمامهم بمضمونها.
خالد شيخ صديق عبد العزيز الحسني
المستشار القانوني
المرشح السابق المستقل لرئاسة جمهورية العراق
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
خيرا لك ان تتكرم علينا بصمتك …..فهو احسن حالا من تصريحاتكم السمجه