المسلة

المسلة الحدث كما حدث

محنة السياسي في العراق

18 أغسطس، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيم

إنني أشفق كثيراً على أولئك الأشخاص الذين يلقي بهم حظهم العاثر في أتون السياسة، وينتهي بهم سوء المنقلب إلى حضن السلطة. ولا أنفك أتساءل إن كانوا قادرين بالفعل على مواجهة ما يقع عليهم من كوارث. أو مقارعة ما ينزل بهم من خطوب.

ولست أعلم لماذا يتوق البعض منهم للوقوع في شرك المنصب، وتحمل ما يجره عليه من تبعات. مع أن أحداً لن يوفره من الذم، أو يعفيه من اللوم، حتى لو لم تكن له يد في ما يحدث من فشل. أو ما يبتلى به من إخفاق.

والناس في العادة تتذمر من كل ما يلحق بها من ضرر، لكنها تغض الطرف عما تجنيه من نفع، أو ما يعود عليها بفائدة. فالسياسي بنظرها يؤدي واجبه في خدمة المجتمع، ولا فضل له في ذلك، ولا مأثرة. لكنه إذا ما أخفق في جانب، أو قصر في واجب، أو اتخذ قراراً لم يرق لها، فقد ارتكب جرماً يستأهل معه العزل والإبعاد.

وإذا كانت إجراءات الدولة تعود على الطبقات الدنيا بالأذى، سواء كان ذلك لدفع ملمة، أو مسايرة لظرف، فإن من المألوف أن يعم التذمر، وترتفع الشكوى. لكن الغريب أن يلجأ الأثرياء إلى الاحتجاج، والتنديد، والنقد، هم أيضاً. أي أن السياسي لن يجد من يثني عليه إذا أصاب، ولن يعدم من يعرض به إذا أخطأ.

وفي العادة يكون صوت الساخطين من الطبقات المخملية أشد في النكير على المسؤول، إذا ما مس وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي. بل أن الخطر الذي يتهدده على الدوام، ويعجل بإنهاء حياته الوظيفية، لا يأتي من المتضررين والطبقات الفقيرة. فلا يملك هؤلاء سوى التعبير الخجول عن الألم، والتوجع الهادئ من الظلم. لكنه يجئ في العادة من المتخمين، والمتنفذين، وأصحاب الامتيازات، والمقربين من السلطة. فالانقلابات العسكرية التي كانت سمة مميزة للنصف الثاني من القرن العشرين، لم يقم بها الجنود أو ضباط الصف، بل الضباط الذين يحتلون مناصب مهمة في الجيش، أو يتربعون على قمة هرم الزعامة فيه. لكن هؤلاء لا يهنأون في العادة بما حققوه من إنجاز. إذ غالباً ما يترصدهم زملاؤهم الأقربون، الذين يطمعون في المنصب، فتبدأ دورة الانقلابات المضادة، وهكذا. أي أن السياسي هو على الدوام عرضة للأخطار، والمتاعب، والمسائلة، والتشهير، والإشاعات، مهما كانت الوسيلة التي توصله للرئاسة.

وإذا ما تقاعد هذا السياسي، أو اعتزل الحكم، أو انحسرت عنه الأضواء، فإن الناس يشرعون في نسيان معاصيه، ويقومون بتعداد إنجازاته التي غضوا الطرف عنها ذات يوم. وهذه هي المكافأة الحقيقية التي ينالها السياسي، في خريف عمره أو بعد رحيله. فالناس مغرمون بالتاريخ.

يحتفلون بالمواقف العظيمة، والقرارات الشجاعة، بعد زمن طويل. أما تلك التي تحز في النفس، أو تثير الأشجان، فتغفلها الذاكرة، وتطويها الأيام.

ورغم هذا فإن أعداد الراغبين في خوض معترك السياسة في تزايد مستمر، وجموع الخائضين في برك السلطة في تصاعد دائم. وإذا ما بلغ جيل ما الشيخوخة، وعجز عن مواصلة الدرب، أو أخفق في الحصول على فرصة جديدة، فإن هناك من يترقب هذه السانحة بفارغ الصبر، ليملأ الفراغ، ويعيد الكرة. ولا تلبث قوى المجتمع الجديد أن تبدأ بالغمز من قناتهم، والانتقاص من أقدارهم. وتشرع في توجيه التهم إليهم مثلما فعلت مع أقرانهم السابقين.

لا يمكن الاستغناء عن السياسي مهما كانت منزلته عند الناس. فهو الذي يدير الأمور، ويصدر القرارات، ويتحمل ثقل المسؤولية. ولا يتضح هذا للملأ إلا إذا شغر المنصب، أو انهارت الحكومة، أو حدث طارئ، أو اشتجر نزاع. وعند ذاك سيبتهل الجميع إلى الله أن يمن على السياسيين بالحكمة والعقل والبصيرة. ويهديهم إلى الطريق الآمن، ويجمعهم على طاولة الحوار. لأنهم بخلاف ذلك سيمرون بحقبة متعبة، وسيشعرون بثقل المعاناة. سواء كان ذلك في الاقتصاد أو الخدمات أو الأمن. وهو أمر يعزز مكانة السياسي، ويجعله الأمل الذي يحلم به الجميع، للخلاص من أزماتهم المستعصية!

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.