المسلة

المسلة الحدث كما حدث

قادة الشيعة.. عجز الاختيار

قادة الشيعة.. عجز الاختيار

6 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة:

سليم الحسني

بعد هذه السنوات الطويلة التي تلت سقوط صدام، لم يتمكن قادة الشيعة من اختيار رئيس وزراء ناجح. بينما نجح الكرد والسنة في اختياراتهم، فما السرّ وراء هذا الإخفاق الشيعي المتكرر، والذي تنذر مؤشراته على أنه سيتكرر في هذه الدورة أيضا من خلال استعراض معظم الأسماء المطروحة؟

يمثل الشيعة الأغلبية السكانية في العراق، ويمتلكون كفاءات عالية وشخصيات نظيفة معروفة بقدراتها ومؤهلاتها الإدارية الراقية وتاريخها المعروف، لكن أياً منهم لم يحظ بقبول قادة الكتل الشيعية، بل لم يمرّ على جلساتهم المغلقة، فالباب موصد عن عمد وإصرار أمام هذه الأسماء.

لا تتعامل القيادات السياسية الشيعية على أن منصب رئاسة الوزراء هو استحقاق شيعي، وهو المنصب الأهم في الدولة. هذا ما تحكيه التجربة السابقة بوضوح، فتفاصيل اختيار الرؤساء السابقين تروي لنا حكايات ساخرة عن طريقة الترشيح والاختيار، فهي محصورة بين أمزجة الأشخاص واهتماماتهم الخاصة، ولا تتجاوزها الى نقطة أبعد. ولا أريد هنا أن أذكر الشواهد والمعلومات على طريقة الاختيارات التي جرت مع هذا وذاك من رؤساء الوزراء السابقين، وكنتُ مطلعاً بدقة على أغلبها.

الأخبار الجارية هذه الأيام تشير الى أن الأمر لم يتغير، وأن المخاطر المتصاعدة والتحديات الزاحفة على الشيعة وخصوصاً شيعة العراق، لم تصل بعد الى مستوى اهتمام قادة الكتل الشيعية.. لم تصل بعد الى منطقة الشعور والإدراك عندهم، وكأنهم بنوا جداراً بينهم وبين الشيعة الذين انتخبوهم وأوصلوهم الى المكان الذي يصنعون فيه القرار.

المشكلة تزداد خطورة حين نعرف أن أي كلام وموعظة وتحذير وتنبيه، سيكون عبثاً معهم. وهنا يكون مستقبل الشيعة رهن هذه الضمائر الكسولة والعيون المأخوذة ببريق المنفعة الشخصية. فهل ينقطع الأمل عند هذا الحد؟ وهل نغلق باب التفكير عن الحل؟
سيكون العطب فينا لو استسلمنا، فالحل يبقى موجوداً حتى في أتعس الظروف وأكثرها ظلمة.

إن في الأفق مجالاً مفتوحاً للحل، يتمثل في رأي المرجعية وموقفها. فلا قوة على وجه الأرض تنافس قوتها عند الشيعة، حتى أشد السياسيين تمرداً وانسياقاً وراء السلطة والمكاسب والامتيازات.

هناك كلمة جاهزة ستواجه هذه السطور.. كلمة واسعة الانتشار يرددها غالبية الشيعة، ونص الكلمة يقول: (لقد جربتهم المرجعية واكتشفت كذبهم وزيفهم.. وأن المرجعية وحدها تعرف تكليفها ولا أحد له حق مخاطبتها وإبداء الرأي لها).

هذه الكلمات واسعة الانتشار، يواجَه بها من يدعو الى أن تخرج المرجعية عن صمتها، وتمارس دورها في توجيه عملية اختيار رئيس الوزراء، باعتبار ان هذا المنصب هو حق الشيعة، والمرجعية هي القيادة العليا للشيعة بلا منازع.

لكن الرد يأتي قوياً عالياً على مَنْ يطلب ذلك. فيموت الرأي بمكانه، وينسحق أمام شدة الاعتراض. ذلك سلوك ورثناه كابراً عن كابر، ومعظمنا لا يؤمن بداخله على صحته، لكن الجو العام يشلّنا، والموروث يتحكم فينا بإرادتنا.

لا حلّ في ظروفنا هذه للوصول الى اختيار رئيس وزراء ناجح من بين الشخصيات التي تتمتع بتاريخ ناصع في مواجهة الدكتاتورية، والتي محصّتها التجارب المريرة، وتميزت بروح وطنية ورؤية استراتيجية عميقة وثاقبة، إلا بتدخل المرجعية المباشر في ترشيد عملية الاختيار. ومع غياب موقفها، فلنجلس بهدوء المشلول، بانتظار الشخص الذي يخضع للمساومات ويتعهد بالاستجابة لطلبات قادة الكتل.

كفانا تكرار التجارب الفاشلة باختيار اشخاص يقع عليهم القبول بمزاج شخصي ونظرة مصلحية ضيقة، وهم لا يمتلكون مواصفات القيادة، ثم تضعهم هذه الاختيارات الخائبة في موقع القيادة ظلماً وزورا.
لم يعد في الوقت متسع لمزيد من الفشل.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author