المسلة

المسلة الحدث كما حدث

أوقفوا تخريب المجتمع

أوقفوا تخريب المجتمع

26 أغسطس، 2022

بغداد/المسلة:

سالم مشكور

أسوأ ما في الصراع السياسي الحالي هو تعميقه لحالة الاحتقان والكراهية في المجتمع الذي بات منساقا لهذه الانقسامات وما تفرزه من خطاب عنفي. لا المعنيون يدركون ذلك، ولا الجمهور الذي بات الجدل العقيم قوته اليومي، بعدما وفرت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة لكل من يدلي برأيه دون رقيب ذاتي أو خارجي يعني خطورة ذلك. بل أن هذه المساحة من الحرية اللامسؤولة وغير المضبوطة بكوابح، توفر الفرصة الى تحوّل العنف اللفظي والتراشق الكلامي الى عنف جسدي خارج المساحة الافتراضية، في ظل الانفلات الأمني و”استزلام” الكثيرين من المتسترين بعناوين سياسية شخصية أم حزبية. خارج هذه المساحة تبقى الغالبية غير المعنية بالصراع، في دائرة التأثر سلبا، سواء بعدوى التوتر والحدّية والضغينة، أو بتعمّق الشعور بالإحباط واليأس من الظفر بحياة هادئة كريمة.

منظومة الاخلاق التي تعرضت للانهيار منذ الثمانينات مع بدء سلسلة الحروب الحمقاء، تشهد مزيداً من الانهيار بسبب الصراع السياسي منذ ٢٠٠٣ والذي يتعدى كل الحدود المسموح به في بلدان الحريات والديمقراطيات التي ما زلنا بعيدين عنها بشكل كبير. المشكلة ان الصراع الحالي يزيدنا بعداّ عن الحرية الحقيقية والديمقراطية التي أخذنا منها الاسم فقط فيما واقعنا يسير عكس اتجاهها تماماً. وصلنا الى مرحلة أن نضحي بكل أركان الدولة من القانون والدستور بحجة الحرية وحقوق الشعب، فيما محاكم أميركا منهمكة بمحاكمات جمهور أميركي مؤيد لترامب هاجم مبنى الكونغرس دون سلاح، وصدرت ضد بعضهم أحكام بالسجن.

خلال رئاسة الدكتور محمود المشهداني للبرلمان جرى منع النقل المباشر لجلسات البرلمان بعدما أصبحت منبراً للسياسيين لتهييج الشارع طائفيا فكانت خطاباتهم تتحول مفخخات وأحزمة ناسفة في الشوارع والأسواق. بعد المنع انخفضت حدة العنف بشكل ملحوظ. محطات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي باتت منابر للتخريب والتهييج ودفع الشارع الى المزيد من الاحتقان وربما بعده الاشتباك المسلح بعدما تحولت الى منابر للتحريض ولو بشكل غير مباشر، من خلال النقاشات الحادة والتراشق الكلامي واطلاق الافتراءات وتزوير الحقائق بما يزيد حالة الهيجان العصبي والسلوكي عند السياسيين قبل الشارع، فهل تبقى الجهات الرسمية المعنية على تلّة التفرّج؟. خطاب الاعلام المرئي والمسموع له ضوابطه والجهات المسؤولة عن مراقبته وهي هيئة الاعلام والاتصالات فيما نحتاج الى شمول الاعلام الجديد (وسائل التواصل) بذلك، بتعاون بين الهيئة والجهات الأمنية. استمرار التفرج سيكون مساوياً للتدخل المنحاز لأحد الطرفين، أو سيعرّض الحكومة الى تهمة الاستفادة من التصعيد السياسي والشحن النفسي القائم.

استذكر دائما ما فعله مهاتير محمد عندما تولى السلطة بداية الثمانينات، وكانت بلاده نهباً للفقر والصراع السياسي بين مكونات المجتمع الماليزي الثلاث. قام بحظر كل البرامج التلفزيونية الحوارية لمنع تأثيرها على الشارع، وقال للناس ان الديمقراطية والحريات لا تستقيم مع الفقر والتناحر. بعدما حقق التنمية وهدأت النفوس، اطلق الحريات فتلقاها الشارع بإيجابية ولم يعد الشحن السياسي مؤثراً فيه.

هل يتحرك المعنيون لضبط الخطاب الإعلامي، التقليدي والجديد، أم يبقون على التلّ متفرجين؟.

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.