المسلة

المسلة الحدث كما حدث

ما بعد المخدرات

ما بعد المخدرات

17 سبتمبر، 2022

بغداد/المسلة:

عباس السلطان

يكثرُ الحديث عن موضوع المخدرات وعواقبها وأنواعها حتى أصبح مادة إعلامية مستهلكة، إضافة إلى المناظرات والندوات والورش التي تدار هنا وهناك ولكن بلا جدوى …
إذ يُحَمِّل الكثير منا كل اضطراب يحصل في المجتمع على كاهل الحكومة حتى أصبح انطباعًا سيئًا يراد به التخلص من المسؤولية والهروب من المواجهة.

بعد إن سافرتُ خارج العراق وانخرطتُ بمختلف المجتمعات تبين لي إن أفراد المجتمع وبخاصة المثقفين منهم، لهم الدور الأكبر في نهوض مجتمعاتهم بعيداً عن العرقية والدين والانتماء، وبعد رجوعي حيث بلدي العراق لاحظتُ إن ظاهرة تعاطي المخدرات أخذت مساحة أوسع وافترست أبنائنا وبناتنا.

أيَّها المثقفون وأصحاب الشأن اعوِّل عليكم وأُحمِلَكم تلكم الأمانة كما أراد الدكتور علي الوردي بندائه “انزلوا من عروشكم العاجية” وكما حملكم المسؤولية الدكتور علي شريعتي بكتابه “مسؤولية المثقف” عليكم أن تتركوا اختصاصاتكم، مناصبكم القابكم، رغباتكم، ولتعملوا كعائلة واحدة تتغنى بحب العراق تشهق السياب وتزفر الطائفية وترنوا لشط العرب من أجل تلافي هذه الأفة [A1] التي حلت بنا وذلك بدس الخلق الرفيع الإنساني في مجتمعنا كلا من مكانه وبطرق مرنة مختلفة تلتمع بالود والضياء .

فالإنسان بطبيعته يحب أن يبقى بمنطقة الراحة دون التغير من ذاته غاضَّا لبصره أمور كثيرة، أمور هامة، كالانتقال من رحم الأم إلى الحياة، هو تغير، والنقص في وزن الجسم هو تغير، الانتقال من المدرسة إلى الجامعة هو تغير، إذاً نحن في طور التغير في سلوكياتنا جميعها وعليه، أقف مستفهمًا هنا لماذا لا نذهب للمصحات والأطباء النفسيين للانتقال من حالة الإدمان (على سموم المخدرات) إلى الحالة الطبيعية وكذلك من حالة السلوك غير المحمود، إلى حالة التحول إلى شكل الإنسان النقي ذو السجايا السليمة المحمودة.

كل المبررات التي يأتي بها المدمنين لا تستحق الوقوف عليها وايذاء النفس، لا أرغب في الحديث عن كل الحيثيات التي تخص المخدرات كون الباحثين قبلي سردوها بطريقة مختلفة مثابين موفقين بها .

 الاصدقاء 

هم أشخاص نرافقهم أغلب أوقاتنا حيث تصطبغ صبغتنا بهم وعاداتنا تُستمد منهم وتشكل شخصيتنا بهم لذلك يجب انتقائهم بحرص.

ذات يوم سُئِل رسولنا الأكرم (ص) : “من خير جليس، فقال من ذكركم بالله ورؤيته” ها هنا رسولنا الكريم وكل المصلحين يحثون على مرافقة الأخيار من أبناء المجتمع.

العلم سراج الإنسان فكيف إذا كان صديقك ذو علم متوازن في قراراته، عندها  سيضيئ طريقكم ويأخذ بكم إلى ما هو أمثل وأجمل .

من الجدير بالذكر إن الشهيد مرتضى مطهري يُعرج على موضوع الأصدقاء بقوله: “ما أحوج الإنسان إلى أكسير حب الصالحين ” .

وبالأخذ بحنكة العارفين نستطيع أن نحافظ على فطرتنا السليمة بعيداً عن المخدرات وتنظيف بيدر حياتنا من الشوائب والعوالق التي زجنا بها الأصدقاء السيئين .

العائلة 

هي مصدر أنتاج الفرد الصالح والطالح وزجه للمجتمع .

في الآونة الأخيرة اتَّسع الانفتاح على العالم الخارجي وغياب الواعز الديني وانحلال الأخلاق وعدم متابعة الأهل لأبنائهم ساعد على تفشي تعاطي المخدرات، ويُلحظ أنَّ هذه الحالات تظهر عادة في بعض العوائل المتعددة الأبناء كون الانضباط والمتابعة قد يتلاشى في هذه العوائل لعدم السيطرة والتركيز على أفرادها كلهم، ناهيك عن بعض العادات والتقاليد التي يملؤها ثوم وبصل المطابخ القديمة (خلف ويجي رزقه ويا)، وللمضي قدمًا نحو بر الأمان يجب التصرف بحكمة ودقة متناهية  في أخذ قرارات التناسل وتربية الأطفال.

 قصتي 

بعد حضوري ورش وندوات كثيرة تختص بالمخدرات (مضارِّها ومُتعاطيها وعلاجاتها ومصحاتها) وجدتها أنها توعية للواعين أحيانا، وذات يوم في ندوة تظمُّ ثلة من المثقفين والمختصين ومدراء منظمات المجتمع المدني، فدار حوار امتدَّ لثلاث ساعات، حول القوانين والدولة وندب الذات، وكالعادة الكاميرا من نوع نيكون ذات زوم بتماس مع أفواه المتحدثين لتوثيق الحدث .

قمتُ منتفضًا وكنتُ اتلفق الكلمات بكل شجن من بين جوارحي لأتفوه بها: (توقفوا عن ذلك الكلام المستهلك رجاءً، عن ذلك السرد العقيم، هل تعطون البندول للأشخاص الذين لا تألمهم رؤوسهم؟  أنا وجميع الحاضرين على دراية تامة بخطر المخدرات، لذا من الآن فصاعدًا عليكم نشر هذه الثقافة في الشارع، في الأسواق قريبًا من الباعة، عند البسطاء الذين انخدعوا مرارًا من المحتالين من مجتمعنا) .

وأخيرًا مابعد المخدرات:
– فقدان الصحة.
– فقدان الأهل والأصحاب.
– فقدان الإنسانية.
– فقدان الرضى الالاهي.

فلنستمتع بالعيش بجمال الحقيقة لأنَّ الإنسان بعد تحقيق رغباته سيتوقف لهيبه وتبرد حرارته وتنطفئ شعلته عائداً إلى الندم وتعاسته الأولى.

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.