المسلة

المسلة الحدث كما حدث

مخاوف من تظاهرات ايران

29 سبتمبر، 2022

بغداد/المسلة:

ابراهيم العبادي 

لم يكن مشهدا مثيرا للارتياح ،ذلك الذي وقفته مئات الفتيات والنساء الايرانيات وهن ينددن بسلوك شرطة الاخلاق ويرفضن التمسك بالحجاب ،احتجاجات ايران الجديدة خرجت عن كونها محدودة برفض الالتزام بقانون ينظم لباس المرأة ، ومساحة حرياتها خارج ماتسمح به مدونة الفقه الاسلامي ،فقد اتسع نطاق الاحتجاج ليشمل مدنا وجامعات وتيارات سياسية واجتماعية ،وتحولت الى الصدام العنيف بسرعة ،لتدخل في مواجهة مع الكتلة الصلبة والقاعدة الجماهيرية للنظام الاسلامي، وتشكل تهديدا ماثلا في لحظة سياسية واقتصادية وامنية مثيرة للقلق .

ليست الاحتجاجات بلا جذور، وان كان محركها حادثة موت مشكوك لشابة كردية (مهسا اميني 22عاما )احتجزتها شرطة الاخلاق بسبب حجابها الرديء ، ثم نقلت الى المستشفى لتموت بعد ايام ، ويتسبب موتها بهذا الغضب الواسع وردود الافعال الاوسع في داخل ايران وخارجها !! ،من راقب الشعارات والافعال التي رافقت التظاهرات ودفعت الى موقف متشدد ازاءها من القضاء والحرس الثوري والجيش ، والى استنفار قاعدة النظام السياسي الشعبية ،كل ذلك يشير الى ان الاوضاع السياسية ليست بخير ، وان النظام يستشعر بالفعل مخاوف جدية من الجيل الايراني الجديد ،الذي لم يعش سردية الثورة الاسلامية ورموزها وخطابها واهدافها ،ولايجد نفسه مشغولا او مكلفا بالتماهي مع خطاب الدولة -الثورة المتضمن تطبيق احكام الاسلام ومواجهة القوى الاستكبارية، وبناء نموذج عالمي رافض للظلم والتبعية والخضوع للقوى الكبرى والنظام الدولي الذي تحرسه ، وقيم العولمة التي تسعى الى تعميمها بلا استثناءات او مراعاة للخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية .

جيل ايران الجديد بات عقله يتشكل وفق نمطيات التواصل الاجتماعي الاشكالية، وقيم مابعد الحداثة الغربية والحريات التي لاتقف عند حد ،هذا الجيل تصطدم طموحاته وقيمه مع قيم النظام الاسلامي الايراني التي تشكل قاعدته الشرعية ومشروعيته السياسية ،لاشك ان في ايران صراع اجيال سببه ضغط القيم الوافدة ، وتحركه ازمات الاقتصاد والبطالة وتراجع مستويات المعيشة وانهيار العملة وضيق المساحة السياسية امام التيارات غير الدينية ،ايران تواجه حصارا وعقوبات على خلفية برنامجها النووي وسياستها الخارجية وشعاراتها الثورية وطموحاتها الاقليمية ،وعندما تجتمع نواتج هذه الضغوطات ،تتبلور توليفة من العوامل المحركة للسلوك الاحتجاجي تارة بسبب ارتفاع اسعار المحروقات او تدني معاشات المتقاعدين او بسبب صراع سياسي كما حدث عام 2009 ،او نتيجة اخطاء وممارسات للاجهزة الامنية والعسكرية وربما ايضا بسبب فشل السياسات العامة للدولة.

ستبقى ايران تواجه تحديات كبيرة وضغوطا داخلية وخارجية ،لكن النظام استوعب دروس 42 عاما من الصراع متعدد الاشكال، وبات يتمتع بمرونة كافية لاحتواء التوترات الاجتماعية والسياسية، وتلك المرتبطة بالاوضاع الاقتصادية والمعيشية ،لكن الاهم من كل ذلك هو كيف نقيم نحن المجاورين لايران او الذين يهتمون باحداثها وقضاياها مايجري فيها ؟

واضح ان خصوم ايران سيجدونها فرصة للشماتة بطهران وسارعوا الى تذكيرها بانها ليست بذلك البناء المتين ،وان مايحدث فيها مرتبط – جزء كبير منه – ببنية النظام السياسي الداخلية وسياسته الخارجية ،وعليه ان يعيد حساباته لئلا ترتد مضاعفات وكلفة تلك السياسة على الداخل وتخلق له مشكلات يصعب احتواءها .

التيارات الاسلامية الموالية وغير الموالية ربما تعاين مايجري بافق اخر ،فاذا كانت مسيرة 42 عاما من الثورية الاسلامية والخطاب الديني المكثف ، والسياسات الثقافية والتعليمية والرمزية المبرمجة، تصطدم بمشكلات قيمية جوهرية من قبيل (رفض الحجاب) وهو (واجب شرعي )على المرأة بحسب الفقه الاسلامي ،وان هناك عودة الى مجادلات مائة عام خلت بشأن قضايا المراة ومساحة حرياتها ولباسها واختلاطها ومشاركتها السياسية ،فذلك مايشي بأن اكبر اهداف النظام السياسي الاسلامي -بصورته القائمة والمتخيلة- وهي اسلمة المجتمع تواجه ممانعة تيار عريض من الاجيال الجديدة ، ممانعة وان كانت جزئية وليست شاملة، غير انها تطرح تساؤلات كبيرة امام مشروع الاسلمة وفكر الحركات الدينية الاسلامية واولوياتها واساليبها في تطبيق رؤاها .

انتكاسة الاسلام السياسي في المجتمعات العربية وغير العربية ، لاينبغي ان تعزى الى مؤامرات الخارج والعداوة ضد الاسلام والقوى الاسلامية وحدها ،اذ ثمة رفض في اوساط الشعوب المسلمة منشؤه افكار وقناعات ، يعززها سوء الاداء الاسلامي ابتداء من اساليب التشدد والعجز عن التكييف والموائمة ،والميل الى الاكراه بدل الاقناع ، وانتهاء باخفاق سياسات الهوية والتحديث (الاسلامي)والتنمية والادارة ومشكلاتها، وعيوب التعامل مع ضغط الحضارة المعاصرة .

احداث ايران تقلق الكثيرين، وربما تفرح اعداء (الهلال الشيعي !! )لكنها تأتي في لحظة اضطراب عالمي كبير ، وتنبيء بمزيد من الازمات والاحداث في منطقتنا، وتدفع الى سياسات محاور اقليمية ودولية، واصطفافات شعبية وانقسامات سياسية تفاقم الحرائق المشتعلة وتزيدها اوارا، وسيتعقد اكثر من مشهد سياسي مجاور لايران ويزداد تأزما .

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.