المسلة

المسلة الحدث كما حدث

الانحراف السياسي

8 أكتوبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيم

رغم كل ما مر في هذه الحقبة من مساوئ، وما جرى فيها من سجالات، إلا أنها بقيت مع ذلك غنية بالعبر، مكتنزة بالدروس، قادرة أن تهبنا كل يوم مزيداً من اليقين، بأننا اخترنا الوضع الخطأ.

وإذا كنا جميعاً نتوق إلى حياة ناعمة، تنسينا ما اعتدنا عليه في العقود الماضية من شظف وخشونة، ونطمح إلى تغيير نمط عيشنا، بعد ما عانينا من الفقر والإذلال. إلا أن مثل هذه الأزمة التي نمر بها تعطينا الدليل على أننا لا نسير في الاتجاه الصحيح.

إن ما نشهده من ظهور مراكز قوى لا تنصاع إلا لمصالها الخاصة، وجماعات لا تحتكم إلا لرأي زعيمها الفرد، ولا يهمها في قليل أو كثير سواد المجتمع، إن هو إلا مظهر من مظاهر الانحراف السياسي. وهو أمر لم يكن يتوقعه أحد بعد سقوط النظام القديم. مع أن بعضها يتكئ على مرجعيات دينية.

مثل هذه الحال لم تحدث لو لم تتوقف جميع الأنشطة الاقتصادية العامة والخاصة، وتقتصر موارد الدولة على مبيعات النفط. فالبلاد غير القادرة على استزراع أرضها، أو تشغيل معاملها، أو تطوير وسائل إنتاجها، لن تحظى بزعامات تستطيع السير بها نحو نظام اجتماعي متماسك، يرفض الظواهر السيئة التي ابتلي بها العراق في السنوات الأخيرة. وسيظل لأمد غير يسير نهباً لجماعات ضالة ومنحرفة، تقوده نحو التفكك والانقسام.

والمشكلة أن من يقرأ هذه السطور، أو ما يماثلها من الكتابات، لا يخطر في باله محيط بغداد الشمالي. ولا يفكر إلا بما دونه من مدن وأرياف. مع أن الأزمة لا تقتصر على جنوب البلاد. فالأخير هو المكان الذي تصنع فيه السياسات الحكومية، وتنطلق منه المبادرات الشعبية. وهو بسبب حيويته المفرطة، العامل الأكبر تأثيراً في الساحة في هذه المرحلة من التاريخ. والأكثر عرضة للمشاكل والنزاعات والخلافات.

إن معنى أن يتحول المجتمع إلى خلايا منتجة، هو تقديس لقيمة الوقت. وتكريس لمفهوم البعد الرابع. أي أن الزمن يتحول إلى عامل من عوامل التقدم، ويدخل في ضمير ووجدان الناس. أما هدره بما لا طائل وراءه، فيعني بالمحصلة خسارة كبيرة، لا يمكن تعويضها.  إذ تنعكس على تكلفة الإنتاج، وعلى النشاط الإنساني كافة. ولا بد أن تتأثر الحياة اليومية بتقلب الأسعار، ومشاكل السوق.

لقد كشفت هذه الأزمة أن العراق لا بد أن يجري تعديلات على نظامه السياسي. ويتحول من دولة رعوية إلى دولة منتجة. وبالطبع فإن هذا الأمر لا يروق للفئات الطفيلية التي اعتادت على قضم أموال النفط بشكل غير مشروع. كما أن سواد الناس يجهلون أن مصلحتهم ليست في الدخول العالية التي تصلهم دون مقابل، بل بالتحول إلى بلد ناهض مكتف بذاته. لأن معنى ذلك هو الاستقلال التام في كافة شؤون الحياة. وإذا ما تعرض هذا الاستقلال للنقض يوماً، فستذهب كل مباهج الحياة التي ألفوها سدى، وستدخل البلاد في مشاكل لا أول لها ولا آخر. فهذه هي سنة الحياة في كل زمان ومكان.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.