المسلة

المسلة الحدث كما حدث

العراق ومتغيرات البيئة الجيوسياسية الدولية

7 نوفمبر، 2022

بغداد/المسلة:

ابراهيم العبادي

بتفاؤل حذر يتصاعد لدى جمهور واسع الى تفاؤل كبير ،تراقب اوساط عديدة في الداخل العراقي ، مجريات تشكيل الحكومة وتغيير المواقع القيادية في الهيئات والادارات والمؤسسات المدنية والامنية ،ومثلما كان يحصل في لبنان سابقا وراهنا ،وهو المثال الاقرب للعراق ،صار اسناد المناصب مؤشرا على توجهات الحكومة وميولها وفهمها للعبة التوازنات الداخلية والخارجية ،فالتوجهات الايديولوجية للافراد والمواقع الادارية والحزبية التي شغلوها سابقا ،لاتكشف عن هوية افراد الطاقم الحكومي ونمط تفكيره ورؤيته فحسب بل تفصح عن الاتجاهات التي ستسمي هوية الحكومة ،ان كانت محسوبة على طرف معين او ذات توجه محدد ،صحيح ان رئيس الحكومة يحرص على بناء قاعدة سياسية لحكومته تضمن لها الدعم البرلماني والقبول السياسي لكن من الصحيح ايضا ان يقال ان اختيار الافراد لبعض المواقع والمناصب فيه رسائل داخلية وخارجية موحية لاترتبط بمقولة الكفاءة والنزاهة فحسب ،بل بمقولات اخرى كالتوجه اليميني او اليساري ،التشدد او الاعتدال ،الميل الى هذا المحور الاقليمي والدولي او ذاك.

لهذا تراقب السفارات العاملة في العراق ،حركة التعيينات واسناد المناصب ، كما تراقبها الاوساط الحزبية والسياسية ، وتؤجل ابداء النظر فيها تربصا بلحظة مناسبة حسب مصالحها واهوائها.

في عام 2018 صدرت مزحة ثقيلة من وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف – وهو الدبلوماسي المحنك المعتدل – ارتدت بسرعة على معادلة الحكم في العراق ،فقد كان الصراع الامريكي الايراني يومها على اشده ،وكان تسجيل النقاط بين ايران وامريكا يجري في طول وعرض مساحات الصراع هذه وكأنها لعبة كرة قدم حاسمة ، لاسيما مناطق التقاطع شديدة السخونة والتأثير ، كالعراق ولبنان وسوريا وافغانستان واليمن ،يومها تشكلت حكومة في بغداد وجرى ترتيب السلطات بما اثلج قلب طهران واغضب واشنطن ،حينها اطلق ظريف مزحته واصفا ماجرى في العراق بانه فوز لطهران بثلاثة اهداف مقابل لاشيء لامريكا ،فقد نجحت طهران وحلفائها في الاتيان برئيس للجمهورية والبرلمان والحكومة وكلهم يحظون برضا طهران ولم يكونوا على قائمة الترشيحات التي كان يسعى اليها المبعوث الامريكي الى العراق بريت ماكغورك.

بعد تلك المباراة الساخنة ،اشتعلت النيران في العراق والمنطقة بسبب هذه الحسابات غير الواقعية ، وانتهت الامور بمعادلات سياسية داخلية وخارجية قد تكون جديدة ، فقد شهد العراق احتجاجات عارمة انتجت تصنيفات سياسية للتيارات الداخلية ،واغتيل رجل ايران القوي قاسم سليماني صاحب النفوذ والتأثيرفي محور المقاومة ،وتشكلت حكومة ارتاحت لها الاوساط المناوئة لمحور طهران ،ودخلت المنطقة في مرحلة جديدة زادت فيها وتيرة التطبيع مع الدولة العبرية وبانت هشاشة دول اكثر من ذي قبل في مقابل صعود اخرى ،وهذه معطيات لابد من اخذها بالحسبان ، فالعالم يشهد متغيرات جيوسياسية عاصفة ،والاوزان السياسية للدول تتعرض للاهتزاز ، تبعا لطروفها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ومواقعها في خطوط الطول والعرض الستراتيجية المحتدمة.

العالم يشهد اشتباكا خطيرا الان ، اطاح بالتوازنات في اوربا ، بسبب الحرب الروسية الاوكرانية ودخول حلف الاطلسي بثقله الى جانب اوكرانيا الضعيفة ،فيما بدت روسيا بعد اشهر من القتال ، اضعف مما كانت عليه قبل الحرب ،ازمة الطاقة والغذاء ،وارتفاع وتيرة التنافس الامريكي -الصيني وتهديدات الرئيس بوتين بتغيير نظام القطبية العالمي الى نظام متعدد الاقطاب ،كل ذلك سمح بدخول لاعبين جدد الى مسرح الصراع تبعا للرؤية الستراتيجية ومخططات خبراء السلطة ومراكز الابحاث ،دخول ايران المضغوطة خارجيا والمحاصرة اقتصاديا الى جانب روسيا جاء بناء على الرؤية التي قالت ان بوتين سيكسر الغرب وسيفرض معادلاته الجديدة ، هذا الدخول كلف طهران مالم يكن في حسبانها ،فقد اهتزت معادلة الاستقرار السياسي والامني في ايران الصلبة، وبدأت الضغوط الخارجية تتوالى بشكل حزم عقوبات وتباعد اوربي صريح عن طهران المعتمدة على المانيا في ابقاء الابواب الاوربية مفتوحة امامها ، باتت المانيا تقود الفريق الغربي المتحمس للضغط على طهران ، بدعوى ان الاخيرة تستخدم القوة ضد تطاهرات المحتجين على السياسات الداخلية والخارجية للنظام ،وهذه اول مرة تتشكل جبهة سياسية اعلامية دبلوماسية مترافقة مع ضغوط اقتصادية ضد ايران التي تمر بظرف دقيق للغاية ،وفيما تتصاعد الدعوات الى عقلنة السياسات والكف عن اتجاهات التشدد ذات الكلف العالية ،تنذر المؤشرات المختلفة ، بتغير تدريجي في البيئة السياسية الاقليمية ،فهذا لبنان يوقع اتفاق ترسيم الحدود مع (اسرائيل )ويصبح نموذجا لما يمكن ان تفرضه المعطيات الاقتصادية والمصالح السياسية والامنية من شروط قاسية ،فيما ظهر بوضوح ان سياسات القوة والتمدد ليست مرغوبة لمن لايملك اكلافها ، ولايستطيع دفع مضاعفاتها ،خصوصا بعد فشل الاستثمار في الاتجاهات الشعبوية وهو استثمار بالغ الخطورة لصعوبة التنبؤ بارتدادته ومفاجأته ،الاوضاع خطيرة والتوتر يعود الى علاقات ايران مع السعودية والغرب ،والعالم مهتم باولويات غير اولوياتنا نحن في هذه البلدان الهشة المضطربة ،لقد جاءت اللحظة لتقدير الامور من زاوية عقلانية محضة ،فالسياسات والتوجهات تبنى على تقدير المصالح ،والعراق الان في زمن مفتوح على تحديات متعددة ،فاما ان تكون هذه اللحظة نقطة انطلاق لسياسات وتوجهات تأخذ مصالح العراق واستقرار معادلته السياسية والامنية ، وضمان نموه الاقتصادي ومؤشراته التنموية ،وهذا يتطلب منه قراءات محسوبة بعناية وعلاقات متوازنة بالمحيط الاقليمي والدولي ،او يعود ساحة لاحتراب الدول والتيارات المتقاطعة التي تنتمي لهذا المحور او منافسه ، ،تأسيسا على ذلك ،من الضروري ان تكون تركيبة السلطة والمواقع والمناصب والادارات محسوبة بعناية لضمان تناسق الفريق الحكومي وانسجام السياسات والمواقف ،ولاتكون الاجهزة والادارات خاضعة لنفوذ سياسي للاطراف المتصارعة وامتداداتها الدولية والاقليمية ،حكومة السوداني جاءت بغير تدخلات دولية ، وهي تحظى الان بدعم اقليمي ودولي واسع ، لان الجميع يريد لها النجاح خوفا على العراق ودوره في حفظ توازنات المنطقة ، وخوفا من الداخل العراقي ومفاجأته غير المفهومة ، يجب ان تنجح هذه الحكومة في مهمتها ، ولكي تنجح تحتاج الى هندسة الطاقم باذرعه الاقتصادية والسياسية والادارية والامنية ،الدعم السياسي والتأييد الشعبي المبني على قناعات واقعية ضرورة وشرط لنجاح هذه الحكومة ،فمهمتها وضع العراق على طريق التعافي في فرصة عراقية لن تتكرر ، وفي لحظة زمنية دولية قد تكون مواتية للعراق .

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.