المسلة

المسلة الحدث كما حدث

ألم يحن وقت التفكير بعد؟

24 نوفمبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيم

ولم نشعر – إلا بعدما تبينت لنا الحقيقة كاملة – أننا اخترنا بأيدينا أن نكون دولة شبه فاشلة، حينما وافقنا أن تحظى المحافظات الشمالية الثلاث بالاستقلال ضمن نطاق الجمهورية العراقية. ولا نبخل عليها بكل ما حبتنا الطبيعة من موارد. ونتنازل لها عن أولوياتنا في التنمية والعمران. دون أن نعلم أن هذه السياسة ستوردنا مورد الهلاك. وستنغص ليس حياتنا فحسب، بل حياة جيراننا من الإيرانيين والأتراك والسوريين أيضاً.

ليس هذا فقط بل توجب علينا أن نلوم هؤلاء الجيران على سخطهم تجاه ما ينطلق من هذه المحافظات من ضروب العدوان، وأن نحتج على استعمالهم حق الدفاع عن النفس، على ما تصدره لهم من فوضى. ولا نقف ضد تحولها إلى قاعدة للهجوم عليهم. فهذه المحافظات هي جزء من العراق الكبير، ولا بد من الدفاع عنها، ظالمة كانت أو مظلومة.

وإذا كانت سوريا ماتزال تعاني الأمرين من الحرب، ولا قبل لها الآن على مواجهة تهديدات جديدة تتغذى بشكل أساس من هذه المحافظات، ومن عائدات النفط العراقي المختطف، فإن تركيا وإيران غير مستعدتين للانتظار حتى يقع المحظور. حتى لو كنا نصمهما بالتدخل السافر في بلادنا، والاستباحة الكاملة لسيادتنا، والاعتداء المستمر على أراضينا.

مثل هذا الأمر الذي صنعته رعونة النظام السابق، في لحظة من لحظات خوائه الفكري، ووجدنا أنفسنا متناغمين معه في ما بعد، في أسميناه بالدستور، هو الذي جعلنا مصدر قلق للمنطقة، بعد أن نغص علينا حياتنا، ومنع عنا أي فرصة للتقدم.

ولست أعجب إلا من إصرار القوم على إدانة أي عمل عسكري تقوم به هاتان الدولتان، لكبح جماح الجماعات المسلحة المتمردة، التي تغير على أراضيهما، وتقوم بإثارة الفتنة وأعمال الشغب فيهما، منطلقة من الأراضي العراقية. ولا أستغرب إلا من شعورهم بأنه إهانة للدولة العراقية التي ليس لها في الأمر ناقة أو جمل. فالإضرار بالجيران لا يعنيهم في شئ، ولا يشكل لهم هاجساً. وربما كانوا مبتهجين لمثل هذا الصنيع الشاذ.

ويتناسى هؤلاء أن عدم الاستقرار الذي يهدد هاتين الدولتين، لن يبقى حبيساً في مدنهما أو أريافهما، بل سيمتد إلى المنطقة بأسرها، ويحبط أي نظام أمني فيها. وأول من سيتأثر به هو العراق. وما حدث من تداعيات فيه بعد اندلاع الحرب في سوريا لا يمكن أن ينسى. وربما سيدفع به هذه المرة إلى التفكك والانقسام.

إن قدرة العراق على لجم الدعوات القومية المتطرفة في شمال العراق ماتزال محدودة. والسبب الرئيس في ذلك هو غفلة المجتمع والدولة عن هذا الخطر الجاثم، وإحجامهما عن التفكير في حل جذري وحاسم لها.

ربما ستكون السنوات القادمة حبلى بالمفاجآت، والحوادث غير المتوقعة. لكن من المنطقي جداً أن نشرع نحن بالتفكير في ما يجب علينا فعله في مثل هذه الأوضاع، حتى لا نكون فريسة سهلة لمن يريد بنا شراً. وربما غدونا اليوم أكثر قدرة على التفكير من أي وقت مضى، بعد أن تراجعت قوى الظلام والعبث والخراب خطوات محسوسة نحو الوراء!

لم نكن نعلم، ونحن في ذروة احتفالنا بانهيار النظام السابق، وفي قمة انتشائنا بإرهاصات النظام العالمي الجديد، أننا سنصوت على كيان مصطنع آخر في المنطقة. ونقوم بتهديد الأمن والاستقرار فيها. ونضع دول الجوار على حافة حروب أهلية دامية.

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author