المسلة

المسلة الحدث كما حدث

في انتظار غودو العراقي

في انتظار غودو العراقي

24 يناير، 2023

بغداد/المسلة:

عبد الستار الجميلي

“في إنتظار غودو” مسرحية كتبها الكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت في عام 1948 عن شخصيتين رئيستين ينتظران شخصا آخر يدعى غودو، لكن المسرحية تنتهي بعد طول إنتظار ولم يصل أو يظهر غودو، وهو إنتظار وترقب مستسلم لزمن موعود كانت تحلم به شخوص المسرحية مع المشاهدين.

تُذكرنا هذه المسرحية، التي تنتمي إلى مسرح العبث، وهو مسرح أزمة، حيث كان تعبيرا عن بعض جوانب الفلسفة التشاؤمية التي أعقبت نهايات الحربين الأوربيتين الأولى(1914) والثانية(1945).. تُذكرنا بتشكيل كل حكومة جديدة تعقب الإنتخابات، التي تراكم هذه الإنتخابات مع كل دورة أزمة جديدة.. فمع بدايات التشكيل يتجدد الأمل بإحتمالات أن تشهد المرحلة تغيرا في النظرة إلى معاناة الشعب العراقي التي طالت، وإلى المسؤولية الوطنية والأخلاقية الملقاة على عاتق كل حكومة تتصدى لإدارة الدولة، بإعتبار أنها مجموعة من موظفي الخدمة العامة يؤدونها خدمة للشعب، وليس إستبدادا به من قبل البعض، وبمصادر عيشه وحياته اليومية، وفرصة للإستثمار وكنز الذهب والفضة، وضمان الوجاهة والمستقبل والغطاء الدبلوماسي والجنسية الأجنبية في الخارج.

وعادة تبدأ كل حكومة جديدة بوعود وردية جمّة، وبسيناريو يعاد إنتاجه، إطارا وتفصيلا: من محاسبة الفاسدين والإعتقال الشكلي لبعضهم، والإرتقاء بالمستوى المعاشي، ودعم إستقرار العملة الوطنية، وفتح بوابات المنطقة الخضراء التي تختبئ داخل جدرانها كل الحكومات خوفاً من الشعب بدلاً من حمايته.. وإلى مكافحة الإرهاب وحماية السيادة والأمن الوطني والحدود التي يتم إنتهاكها بين فترة وأخرى من قبل نظامي إيران وتركيا.

وفي موازاة ذلك تنبري بعض وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعى لإغراق الشعب العراقي في تزيين الوعود بكم هائل من البريق الكاذب، وتجميل البؤس العام بسرديات المحللين السياسيين والإستراتيجيين وما أكثرهم ولكنّهم في النائبات قليل.

ولما تمض أيام معدودات حتى تتبخر الوعود والأماني وتتلطخ بالدم المسفوك ظلماً في الشوارع التي صارت ملجأ لهتاف المقهورين، وتتكشف الحقائق عن كم هائل من الزيف والخديعة، والإحالات إلى ما مضى للبحث عن براءة كاذبة لجريمة مسّت وتمسّ ذِمم الجميع.

إذاك يتلاشى الأمل ويغيب اليقين، ويعود الغيظ يأكل أحشاء الباحثين عن بصيص ضوء في نفق معتم بالظلمة الكثيفة.. وإذا الوجوه تتغير لكن الحكومات واحدة، وكل حكومة تأتي يترحم الناس على التي سبقتها، فالسلف خير من الخلف.. لنكتشف بذلك سياق رئيس في العملية السياسية الحالية عنوانه: التقهقر إلى الخلف بدلا من التقدم الى الأمام.

لتنتهي بهذه الصورة البائسة، دورة كل حكومة جديدة/قديمة خلال فترتها الكاملة أو المبكرة، لا فرق.. لكنّ ” غودو” العراقي الذي قضى الشعب العراقي عمر جيلين بإنتظاره، لم يصل ولم يظهر في الأفق الموشى بإنكسارات الحلم وجمر الجموح والتوثب.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.