المسلة

المسلة الحدث كما حدث

ازمة الدينار العراقي.. نافذة نحو علاقات عراقية أمريكية رصينة

ازمة الدينار العراقي.. نافذة نحو علاقات عراقية أمريكية رصينة

4 فبراير، 2023

بغداد/المسلة:

راقية الخزعلي

يواجه العراق ازمة اقتصادية كبيرة بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي امام الدينار العراقي وفشل الحكومة بوقف تداعيات انهيار الدينار العراقي رغم كل القرارات والمساعي المتخذة من قبلها.

ولعل لأمريكا دورا مهما وبارزا في فرض إجراءات رقابية مشددة حول حركة وتحويل الدولار الأمريكي من والى العراق مما نجم عنه ارتفاع في قيمة الدولار وتدهور قيمة الدينار العراقي حيث تبنت الولايات المتحدة الامريكية معايير نظام التحويلات الدولي (سويفت) بسبب الفساد وتبييض الأموال الذي تقوم به بعض الشركات العراقية، ولتوفير قدر كبير من الشفافية في التعاملات المصرفية.

ومما زاد الامر سوءا اقدام الحكومة العراقية على معالجة الازمة باتخاذها قرارات اقتصادية تسببت في تراجع التأييد الشعبي لها، ابرزها اعتماد الدينار العراقي في التعامل التجاري ومنع التعامل بالدولار الأمريكي.

وبالرغم من هذه القرارات لم يتوقف الارتفاع الفاحش لقيمة الدولار الأمريكي مما اثر هذا الارتفاع على الطبقة الوسطى وكذلك الفقيرة من العراقيين والذين يشكلون نسبة 35 بالمئة من سكان العراق.

والسؤال هنا ما علاقة هذا كله بالعلاقات العراقية الامريكية؟

ادركت الحكومة العراقية ضرورة التفاوض مع الجانب الأمريكي للتخفيف من الإجراءات الرقابية المقررة على التحويلات المالية بشكل يحافظ على قيمة الدولار الأمريكي وسعر الصرف المقرر من البنك المركزي العراقي.

ومع ذلك ان بعض التصريحات داخل الولايات المتحدة تدعو السلطات الامريكية الى التشدد مع الحكومة العراقية بهذا المجال.

ولعل ما صرح به مايكل نايتس، الزميل في معهد واشنطن والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في العراق وإيران بقوله “ان بايدن معروف جيدا لجميع القادة العراقيين الذين التقوا به عدة مرات وكان اعتقادهم بان العراق سيحظى باهتمام جيد لدى البيت الأبيض ولكن في حقيقة الامر ان الولايات المتحدة الامريكية قد لا ترى العراق كأولوية في سياستها الخارجية بقدر أهمية تعامل العراق مع الجارة إيران).

والواقع من الامر نحن بحاجة الى مراجعة شجاعة لتشخيص الواقع الذي يعيشه العراق بالمماثلة مع الدول الأخرى وللاستفادة مما تتمتع به الولايات المتحدة الامريكية من مكانة مهمة في النظام العالمي فلابد من التفاعل الذكي مع المتغيرات الإقليمية والمواقف الامريكية في ضوء الازمة التي تعيشها المنطقة وانهيار العديد من الأنظمة السياسية  لان تلك المتغيرات والمواقف التي كان لها الأثر الكبير على العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية، وهذه المراجعة الشجاعة ستسمح للعراق بتشخيص الانموذج الذي يريد العراقيون ان يقدموه الى العالم.

تعد اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية عام 2008 ( والتي سبق الحديث عنها في مقال سابق)، منعطفا مهما في تاريخ العلاقات بين البلدين ، الا ان تنفيذ بنود تلك الاتفاقية لم يرق الى مستوى التحديات التي واجهها العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003، فاستثمار هذه الاتفاقية بما ينسجم مع حاجة العراق الى حليف استراتيجي قوي كالولايات المتحدة الامريكية، يحتاج الى توفير مناخ يستوعب المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية وكذلك تشخيص الموارد الضرورية للاستفادة من تلك العلاقات. لكي يستطيع العراق ان يستفيد من تلك الاتفاقية فهو يحتاج قبلها الى تشخيص أولويات البلد امام التحديات الحالية، وفي الحالة العراقية تأتي أسئلة مهمة حول أولوياتها، هل هي رفع قيمة الدينار العراقي؟ ام إعادة بناء البنى التحتية في مختلف القطاعات؟ ام تخفيض نسبة البطالة والبطالة المقنعة؟ ام عملية التسليح ومكافحة الإرهاب؟

نجيب على ذلك بالقول، ان التحديات التي نواجهها تستلزم التحقيق ومعرفة الأولويات ثم العمل على استغلال طاقات العراق المحدودة . وعليه لابد من تحديد الدقيق للمعطيات الصحيحة للسياسة الخارجية مع الولايات المتحدة وتشخيص محاورها والسعي لرسم سياسة خارجية هادفة وملتزمة وممكنة التنفيذ معها مع ضرورة تبني شراكة استراتيجية طويلة الأمد وواضحة المعالم والاهداف.

ولكي نحظى بتعاون حقيقي مع الولايات المتحدة الامريكية لحل ازمة الدينار العراقي نرى انه لابد من تنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة مع الجانب الأمريكي وهذا يتطلب عملا عراقيا مؤسساتيا مشتركا وتوظيفا للأدوات التشريعية والسياسية في تعزيز التعاملات الخارجية فضلا عن رسم سياسة وطنية كفيلة بتحقيق المصالح العليا للبلاد، مع مراعاة المصالح المشتركة لكلا البلدين.

ان عملية بناء علاقات ترقى الى مستوى التحالف الاستراتيجي، تتطلب تقاربا في الرؤى تجاه المصالح المشتركة والقضايا الإقليمية والدولية ودراية بالقواعد والإجراءات والمؤسسات التي تحكم عملية صنع القرار السياسي الخارجي في الولايات المتحدة الامريكية مع توسيع دائرة العلاقات الإيجابية مع مختلف القوى المؤثرة في عملية صنع القرار السياسي الأمريكي ومنها الكونغرس، ومراكز البحوث و الشركات الكبرى، فضلا عن المؤسسات الإعلامية بما يخدم تحقيق المصالح الوطنية للعراق، اذ ان توحيد الجهود السياسية الداخلية يعزز من قدرة الحكومة العراقية على مواصلة مساعيها في تقوية العلاقات مع مختلف الأطراف المهمة داخل الولايات المتحدة.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.