المسلة

المسلة الحدث كما حدث

شيعية وطنية ام وطنية شيعية؟

27 فبراير، 2023

بغداد/المسلة:

ابراهيم العبادي

بداية عام 1982 وفي حديث مع استاذنا الراحل الشهيد عزالدين سليم ،حول العلاقة بين الاسلاميين العراقيين وبين الجمهورية الاسلامية قال :(ان ادبيات الدعوة الاسلامية تعلمنا ضرورة مناصرة ودعم اي حكومة اسلامية تقوم في العالم الاسلامي حتى لو اقتضى الامر القتال مع هذه الحكومة والتضحية من اجلها ،لان القتال والتضحية انما لاجل الاسلام واهداف الاسلام ).

اسوق هذه المقدمة في بداية الحديث عن موضوع يدور بشأنه جدل حاد في اوساط الاسلاميين العراقيين الشيعة ، وربما يشترك من زوايا اخرى مع الفكرة الاسلامية الذائعة بين اتباع وانصار قوى الاسلام السياسي ، بشأن اقامة الحكومة الاسلامية (الشرعية ) وطبيعة العلاقة معها (ذوبان ،تماهي ،وحدة، ام دعم ومسندة ؟؟) ، ممن لاينتمي الى جنسيتها ولايرتبط معها برباط المواطنة ولايتمتع بحقوق هذه المواطنة.

هناك لبس وتلبيس كبير في هذا الجدل ، سببه عدم تنقيح المناطات الشرعية وفق منظورات حديثة لم يعد ممكنا معها استحضار رؤى تاريخية ومفاهيم وتصورات اصبحت متقادمة بحكم الواقع ، الامر الذي يحتاج الى تفكيك المفاهيم والمقولات المستعملة فيه، وتنقيح الاحكام والمواقف المترتبة عليها ،ثم الربط المباشر مع المقولات الحديثة عن الوطنية وماينشأ منها من واجبات ومواقف بل مفاهيم سياسية ذات ارتباط بالعقيدة والهوية المذهبية وصار ضروريا الافصاح عنها.

ان سبب الالتباس في الفهم مع افتراض حسن النية، هو عدم التفكيك بين المقولات العقدية والسياسية التي تتحدث عن وحدة الامة الاسلامية وبالتالي وحدة المسلمين ، وحرمة الفصل والتجزئة بين اقاليم وبلدان هذه الامة، التي يعزى سبب انقسامها الى القوى الدولية الكافرة والاستعمار ومخططات سايكس و بيكو !!؟ هكذا بالجملة ، دونما التفات الى ان العالم الاسلامي ومنذ انهيار الدولة العباسية، لم تحكمه حكومة واحدة ولم تضم دولة اسلامية (بالمعنى الاسلامي – السياسي) اقاليمه المختلفة.

ان مفهوم الدولة العقائدية التي تحكمها حكومة اسلامية وفق نظريات الفقه السياسي الاسلامي السني لم تتحقق الا نسبيا بدولة العثمانيين ،وبسقوطها عام 1924 لم يعد موجودا ذلك الواقع السياسي ، الذي يحتم على المسلمين التعامل مع حاكم ذي مشروعية( دينية) ويكون الارتباط معه (مواطنة ،جنسية ،حقوق ،وواجبات) امرا ملزما ، هذا الامر اقض مضاجع بعض المسلمين ممن كان يفترض ويتخيل ان واجبه الاسلامي يحتم عليه العمل والتخطيط من اجل اقامة الحكومة الاسلامية الشرعية ، وتوحيد الاقاليم الاسلامية تحت رايتها ،فذلك هو الواجب الشرعي والهدف الاسمى الذي يستأهل الجهاد والتضحية ،فالامر مرتبط براية الاسلام واقامة الدين وتحكيم الشرع، هكذا كانت تقول ادبيات الاسلاميين المعاصرين حتى وصلنا الى طالبان والقاعدة وداعش التي سارعت الى اعلان دولة خلافتها الاسلامية في اجزاء من العراق وسوريا بابشع الاساليب واحط التنظيرات والغت الحدود وهللت لالغاء سايكس بيكو !!!،اما كيف ستتوحد الاقاليم الاسلامية ؟ وتعود الدولة الاسلامية موحدة، تناطح الغرب وتستعيد مجد الاسلام وتنقذ المسلمين!!!؟ فذلك منوط بتنظيرات بعض مشايخ الاسلام امثال الراحلين ابي الاعلى المودودي (ت1979) مؤسس الجماعة الاسلامية في الهند ولاحقا باكستان ، والشيخ تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الاسلامي في القدس عام 1952.

لم اجد حسب متابعاتي المتواضعة، تنظيرا فقهيا وحلولا وخططا لكيفية توحيد اقاليم المسلمين ، التي ماعادت اقاليم بالمعنى السياسي ،فقد تحولت الى دول ذات سيادة ،وظلت الفكرة متصورة فقط لدى الحركيين الاسلاميين وحلما طوباويا يراودهم ، طبقوه عمليا بنشر اجنحة تنظيمية في اغلب المناطق الاسلامية التي وصلها الفكر الاخواني والتحريري ثم السلفي القتالي ،مع الاشارة الى ان هولاء جميعا لم يتعاملوا مع الدولة السعودية وحاكمها الملك عبدالعزيز ال سعود بوصفه حاكما شرعيا ولم ينضووا تحت امرته بمفهوم الطاعة الشرعية والبيعة رغم انطلاقه من منظور دعوة دينية (السلفية الوهابية ) ،حيث خضعت له القبائل النجدية والعربية الاخرى التي طالتها ظلال السيوف . وظلت الاقاليم المجاورة تنظر الى مشروع عبدالعزيز بريبة وقلق ومخاوف ، بل استعان بعضها (بالكفار) للوقوف ضد طموحه بتوسيع رقعة مملكته خارج اراضي نجد والحجاز والاحساء والبادية الشمالية.

شيعيا كانت الحركة الاسلامية تعيش حلم الدولة الاسلامية متخيلا بلا تنظير واسع ، باستثناء ماكتبه المرجع الشهيد الصدر الاول (ت 1980)في اسس الدعوة الاسلامية نهاية خمسينات القرن المنصرم ، ثم اضاف اليها بعد عشرين عاما افكارا جديدة في (لمحته الفقهية التمهيدية لدستور الجمهورية الاسلامية) و(خلافة الانسان وشهادة الانبياء) و(منابع القدرة في الدولة الاسلامية) .

ومثلما اعتمد الحركيون السنة على احكام مجملة تضمنتها كتب الاحكام السلطانية للماوردي البصري البغدادي (ت 450 هه)وابي يعلى الفراء الحنبلي( 458هه)ولاحقا السياسة الشرعية لابن تيمية ( ،728هه) ظل الحركيون الشيعة يعتمدون على احكام شرعية عامة ومفاهيم مجملة تنتمي الى حقبة الدول السلطانية ، ولم يتفتق العقل الفقهي عن تنظيرات جديدة الا بعد ان داهمتهم الثورة الاسلامية في ايران، وقيام الجمهورية الاسلامية بقيادة فقيه كبير هو الامام روح الله الخميني عام 1979، وصار التعامل مع الدولة الاسلامية الوليدة امرا واقعا تمليه ضرورات عقائدية، وفقه سياسي مجمل يستبطن الصور المتخيلة للدولة الاسلامية التي يقودها الامام ، حيث يتوجب الالتحاق بها و الارتباط بحكومته والدفاع عنها ، وعن مصالحها وسياساتها، بمسوغ قيادة الفقيه العادل لها نيابة عن الامام المعصوم الغائب ، حتى لو تطلب الامر القتال ضد الحكومات التي يحمل الاسلامي الشيعي جنسيتها، فما بالك اذا كانت هذه الحكومات غاصبة وعلمانية وكافرة ومجرمة متعسفة ، تعمل ضد مصالح الاسلام والمسلمين كما كان نظام صدام مثالا ،هكذا كانت الادبيات الحركية تعبيء وتثقف وتشرح الموقف المفترض.

وجد الكثير من الاسلاميين الشيعة غير الايرانيين انفسهم في مأزق التعامل مع الدولة الوليدة ،هل يتعاملون معها بمنطق الاحكام الشرعية المتعارفة ذات الحمولة العقائدية والكلامية ؟ام بمنطق الاعراف والمفاهيم السياسية الجديدة للتنظيم والقوننة السياسية الحديثة ؟ فانت لاتنتمي الى ايران بالمواطنة ولاتحمل جنسيتها ولديك مواطنة وجنسية دول اخرى ،تلزمك بالزاماتها ، وانت لاترتبط بعقد سياسي واجتماعي مع دولة الفقيه، ولايحق لك الانتخاب والاختيار والاعتراض والتمتع بحقوق المواطنة !! ،فهل انت ملزم بالطاعة والانقياد والخضوع لاوامر دولة الفقيه ؟وماذا لو تعارضت مصالح وسياسة دولة الفقيه مع مصالح الدولة التي تحمل جنسيتها وانت المواطن فيها الذي تنطبق عليك القوانين التي تمنع العلاقة الحزبية والفردية خارج مايسمح به دستور وقانون الدولة . ماذا لوكان مرجع التقليد الذي وجدته الاعلم بين الفقهاء وقلدته يفتي بما لاينسجم مع رؤى وسياسة قائدوفقيه الدولة الحاكم ؟؟ او على الاقل له رؤية اخرى وملاكات مصلحة مختلفة ؟؟؟؟.ماذا لو تعددت الحكومات ذات الشرعية الاسلامية وفق منظورات الفقه السياسي الشيعي، واختلفت احداها مع الاخرى في تقدير المصلحة والسياسة والتحالفات والعلاقات ، بل ماذا اذا اختلفتا في قضايا الجنسية والحدود والمياه والثروات والسيادة والامن والاولويات !!!!؟؟؟. هل يحق لاحداها التدخل في شؤون الثانية بدافع الولاية والمصلحة أو بدافع الامن القومي ومصلحة النظام الاسلامي الاقدم ومنظوراته الستراتيجية غير المتفق عليها ؟؟

هذه الاسئلة ظلت مسكوتا عنها. لان الفقه السياسي لم يشأ ان يرتاد هذه المساحة القلقة الخطيرة ،فهو لازال يعيش مفاهيم الوطن الشرعي وليس الوطن السياسي ،ويتعامل مع الفقيه الحاكم بعده صاحب الولاية الامر الناهي وحده !! ،لكن ماذا عن بقية الفقهاء الذين انبسطت ايديهم في اقاليم اخرى ؟ كيف نفكك بين مرجعية دينية ومرجعية سياسية ؟ ، لها رؤية مختلفة للوقائع والاحداث والتنظيم السياسي الدولي ؟

هذه الاسئلة تتضمن مفاهيم ومقولات التبست على الكثيرين من المتحمسين ، وصار الخلط بين العواطف والميول والاتجاهات السياسية، وبين الموقف الشرعي ذي الخلفية الفقهية المنقحة وغير المنقحة امرا شائعا، يسبب مشكلات ومعضلات سياسية ادت الى فوات فرص ومصالح، وهدرت طاقات كبيرة ، وصار الانقسام فيها وحولها مثار جدل سياسي حاد يصل حد التخوين والتسقيط كما يقال عاميا ، كان اخرها ماطرحه زعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم بشان الوطنية الشيعية وقبلها مواقف اخرى كانت هي الاخرى مثار نزاع صامت لكنه قوي المفعول.

سنكمل بقية الحديث في الاسبوع القادم باذن الله . هذه الاسئلة ظلت مسكوتا عنها. لان الفقه السياسي لم يشأ ان يرتاد هذه المساحة القلقة الخطيرة ،فهو لازال يعيش مفاهيم الوطن الشرعي وليس الوطن السياسي ،ويتعامل مع الفقيه الحاكم بعده صاحب الولاية الامر الناهي وحده !! ،لكن ماذا عن بقية الفقهاء الذين انبسطت ايديهم في اقاليم اخرى ؟ كيف نفكك بين مرجعية دينية ومرجعية سياسية ؟ ، لها رؤية مختلفة للوقائع والاحداث والتنظيم السياسي الدولي ؟

هذه الاسئلة تتضمن مفاهيم ومقولات التبست على الكثيرين من المتحمسين ، وصار الخلط بين العواطف والميول والاتجاهات السياسية، وبين الموقف الشرعي ذي الخلفية الفقهية المنقحة وغير المنقحة امرا شائعا، يسبب مشكلات ومعضلات سياسية ادت الى فوات فرص ومصالح، وهدرت طاقات كبيرة ، وصار الانقسام فيها وحولها مثار جدل سياسي حاد يصل حد التخوين والتسقيط كما يقال عاميا ، كان اخرها ماطرحه زعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم بشان الوطنية الشيعية وقبلها مواقف اخرى كانت هي الاخرى مثار نزاع صامت لكنه قوي المفعول.

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.