بغداد/المسلة: علي مارد الاسدي..
تخرجت من كلية الطب عام 2012 وكلي تفاؤل بأن أكون طبيبة ناجحة أساهم في معالجة المرضى والتخفيف من معاناتهم، ولأني كنت من الأوائل فقد نجوت من شبح النقل لمحافظات بعيدة خارج بغداد، لكن للأسف لم يحالف الحظ في حينها أغلب زميلاتي وزملائي الذين صدرت أوامر نقلهم الى محافظات اخرى بعيدا عن مناطق سكناهم.
لكن مشكلة الطبيب (البغدادي) لا تنتهي هنا بعد التخرج وقضاء بضعة أعوام بعيدا عن أهله، إذ بعد الأقامة الدورية يوزع قرى وأرياف لسنة أو أكثر خارج بغداد، ثم الأقامة القدمى لسنة او اكثر أيضا خارج بغداد، لتأتي بعدها مرحلة دراسات البورد وهي أربعة الى خمسة سنوات لنيل الأختصاص على أمل الأستقرار النفسي والوظيفي، لكن هيهات الفرار من شبح أوامر النقل لخارج بغداد والتي تعود لتلاحق خريجي البورد العراقي والعربي بشكل جماعي، وحتى من دون تمييز لاعتبارات تتعلق بناحية الجنس (وليس الذكر كالانثى) أو الحالة الأجتماعية والاطفال..
اكتب هذه الكلمات وأنا أبكي بسبب الحالة التي وجدت نفسي فيها، فعمري أصبح 37 سنة، وزوجي موظف في بغداد، وأنا أم لطفلين ولد وبنت لم يتجاوزوا سبع سنوات، وحامل بطفلي الثالث، وطبعًا ترتبط حياة هؤلاء ومعيشتهم بي ارتباطًا مباشرًا، وليس أمامي الا خيارين لاثالث لهما، اما ان تتحطم عائلتي، أو أترك الوظيفة حالي كحال مئات الطبيبات والاطباء الذين اصطدموا بهذا القرار الغريب، بعد خدمة11 سنة عملت فيها بكل اخلاص وتفان، ولم أدخر جهدا للعناية بمريض، وبمختلف الظروف الصعبة، ومنها محنة جائحة كورونا التي نقلت عدواها الخطيرة لكل عائلتي نتيجة عملي وسط المصابين، حتى كدت أفقد طفلتي بعد إصابتها الشديدة بالوباء لولا لطف الباري عز وجل..).
هذه كانت مقتطفات من رسالة أم وطبيبة عراقية، وهي لسان حال المئات والآلاف من أطباء بغداد الذين يعيشون نفس المعاناة التي سببها البيروقراطية الإدارية وسوء التخطيط، وبالتأكيد هي كذلك نتاج مباشر لعدم وجود المسؤول المناسب في المكان المناسب.
وبعد السؤال والتقصي عن خلفيات الموضوع داخل وزارة الصحة تبين ما يلي:
1. تعتمد وزارة الصحة بالدرجة الأولى على المعدل الدراسي وليس على محل السكن في قضية التنقلات. وهذا إجراء غريب وغير مفهوم.
2. لا تراعى حدود المنطقة الجغرافية عندما تكون هنالك حاجة للأطباء في منطقة ما. بمعنى إذا استدعت الحاجة الى نقل الطبيب لمحافظة أخرى خارج سكنه، ينبغي أن تكون الأسبقية للمحافظات المجاورة.
3. وجود أعداد كبيرة جدًا في بغداد من أطباء المحافظات، خصوصًا من الجنوب ومناطق الفرات الأوسط، وهؤلاء يعملون كمقيمين ويكلفون الدولة مبالغ طائلة، في حين أن محافظاتهم في حاجة ماسة لهم، والمفارقة أن الوزارة تغطي من رصيد أطباء بغداد هذا النقص الذي تسببت به!!
4. أوامر النقل الى المحافظات البعيدة والمناطق النائية لا تراعي الحالة الأجتماعية للطبيب، فالمرأة لا تستطيع الخدمة في المناطق التي يصلها الرجال بشق الأنفس، كذلك الطبيب المتزوج الذي لديه اطفال لا ينبغي أن يعامل كالأعزب…
اكتفي بما ذكرت من ملاحظات حتى نتوقف مليًا للتأمل أمام هذا النموذج الصارخ للبيروقراطية المتكلسة وفشل الجهاز الإداري الذي يستنزف موارد الدولة بما ينجم عنه من تكاليف بشرية ومادية وتراجع في الأداء المعنوي والوظيفي..
نسخة/ الى رئيس الحكومة السيد محمد شياع السوداني المسؤول المباشر عن وزارة الصحة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
السجن عشرة أعوام لصاحب قاعة أعراس اندلع فيها حريق بالاقليم
الممثل الأممي: المرجع الأعلى حريص على حفظ العراق من التجاذبات في المنطقة
كيهان: الجولاني لا يريد محاربة اسرائيل بحجة أن “الناس منهكة”