بغداد/المسلة:
محمد زكي ابراهيم
ربما يكون من أفدح ما وقع فيه النظام الجديد من أخطاء، وأشد ما منيت به خطواته من هفوات، هو الاعتراف باللغة الكردية، لغة رسمية ثانية في العراق، وجعلها لغة التدريس والإدارة في المحافظات الثلاث.
وقد يكون هذا الاعتراف هو تحصيل حاصل، لأن هذه المحافظات نأت بنفسها عام 1991 عن المحافظات الأخرى، بعد سلسلة المغامرات البائسة التي قام بها صدام حسين ضد دول الجوار، منذ أن تولى السلطة المطلقة، وانتهت جميعاً بالفشل الذريع.
ولا بد أن نلتمس بعض العذر لسياسيي حقبة ما بعد عام 2003، التي جرت برعاية أميركية مباشرة، أعطت الأقليات الكثير من الامتيازات التي تصل إلى حد الاستقلال، وغضت النظر عما تقوم به من أنشطة تهدد وحدة الدولة. فلم يكن هناك لديهم المزيد من الخيارات. وليس هذا بالغريب في عالم ما بعد الحداثة، الذي فكك الدول، وجزأ الإمبراطوريات، وأغرق البلدان بالفوضى.
ولا شك أن العراق لم يكن بمقدوره وسط هذه الظروف، أن يقول لا لإقليم فيدرالي، يمتلك مثل هذا الدعم غير المحدود من أعتى قوة على وجه الأرض. هذا الدعم الذي يتجاوز الأعراف الدولية، ويتستر على استباحة غير مشروعة للمال العام، ولا يتدخل لحماية العملة الأميركية، مثلما يفعل مع دول أخرى في المنطقة، بضمنها العراق!
وعلى أية حال، فإن قيادة حكيمة، تملك نفوذاً واسعاً في العاصمة، يجب أن تفكر بنهاية منطقية لهذا الانحراف، وأن تجد له حلاً حاسماً وجذرياً. فالمشكلة ليست عراقية بحتة، بقدر ما تمس أمن المنطقة بكاملها. وهناك ثلاث دول أخرى، تعاني من الوضع ذاته، ويقوم بعضها بإجراءات غاية في الحنكة والحزم، معها.
وربما يبدو مثل هذا التفكير مغالياً نوعاً ما، إلا أن الواقع يثبت أن لا شئ مستحيل في هذا العالم. وأن ترك الأمور كما هي سيأتي بنتائج كارثية، ويقود البلاد إلى الضعف، ويجرها إلى مستقبل مظلم.
إن بعض الخطوات الصغيرة قد تبدو تافهة، وليست بذات نتيجة، في هذا الملف. لكن الحقيقة أنها أفضل بكثير من الاستسلام للمشكلة، والاعتراف بالعجز عن حلها. ومنها التغيير السكاني الهادئ والمدروس. وقد نجحت بعض التجارب العراقية القديمة في السبعينات والثمانينات، نجاحاً باهراً. وليس ثمة ما يمنع من تكرارها الآن. فإذا ما تمكنت الدولة من توطين مليون عربي من الوسط والجنوب في بقاع معينة عبر شراء الأراضي أو الوحدات السكنية، وتمويل بعض المشاريع الخاصة، فإن ذلك سيأتي بمردودات سياسية هائلة. وهو أمر يتناغم مع نظريات ما بعد الحداثة في التنوع، ويزيد في موارد هذه المحافظات. وربما يمكن السماح لمليون آخر من الجاليات العربية (الفلسطينية مثلاً) بالاستيطان عبر اتفاقات مناسبة، بدلاً من الاتجاه نحو السكنى في تركيا أو غيرها. ولن تعترض إسرائيل على هذا الموضوع، مثلما لن تعترض عليه الولايات المتحدة أيضاً، ولن تقفا بوجهه، لأنه يتناغم مع سياساتهما المعلنة وغير المعلنة!
وبالطبع فإن هناك حلولاً أخرى أشد تعقيداً، وأكثر كلفة، يمكن أن تطرح بين الحين والحين، فإنفاق الأموال العامة في هذا الشأن، هو استثمار وطني ناجح، يعود على البلاد بمنافع جمة، ويجنبها المزالق والأزمات.
نحن جميعاً بحاجة للتفكير في إنقاذ هذا البلد العريق من التفكك، وردع أصحاب الأغراض، وإنهاء المهازل التي ترتكب بحقه كل يوم. ولنا في جارتنا تركيا أسوة حسنة، وهي تتبع سياسة صارمة بهذا الخصوص منذ عشرات السنين.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
إيران: سندرس إرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق
العراق يرفض التطهير العرقي والتقسيم بيد نسخة جديدة من الارهاب بسوريا
رئيس كوريا الجنوبية يعلن الاحكام العرفية وإغلاق مبنى البرلمان