بغداد/المسلة: عندما أطاحت قوات تقودها الولايات المتحدة بصدام حسين في عام 2003، احتفل عادل عامر بما ظن أنه مؤشر على نهاية عقدين من الحرب والعزلة في ظل العقوبات التي عصفت بالعراق وشعبه.
وقال عامر “كنت أرقص مثل المجنون فرحا ولم أصدق أن صدام قد رحل. كنت أشعر مثل الطائر الذي أطلق من القفص”.
لكن اتضح أنها مجرد بداية لحقبة أخرى من الصراع والفوضى شهدت أعمالا مسلحة، وفتنة طائفية عمقت معاناة عامر، البالغ من العمر الآن 63 عاما، وعائلته.
بدأت متاعب عامر قبل وقت طويل من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، والذي بدأ في 20 مارس آذار 2003. وكان قد ترك الجيش خلال حرب صدام مع إيران في الثمانينيات.
وقال عامر “لقد سئمت من مواجهة الموت طول الوقت وأنا أنظر إلى رفاقي يقتلون أو يتقطعون إلى أشلاء في الحرب العراقية الايرانية”.
وقاوم دموعه وهو يتحدث وأخرج صورة قديمة له ولزملائه الجنود عندما كان في العشرين من عمره داخل خندق خلال الصراع الذي أودى بحياة مليون شخص.
وقال عامر ذو اللحية البيضاء “قلت لنفسي إن الوقت قد حان للهروب من خدمة الجيش. كنت أعرف أني قد أعدم إذا ما تم القبض عليّ لكن البقاء على قيد الحياة كان يستحق المحاولة. قمت بالهرب. هذا هو السبب أنني لا زلت على قيد الحياة اليوم”. وبدا ضعيفا ومتعبا بعد حياة من المعاناة.
فر عامر من منزل عائلته الواقع في منطقة ريفية بالقرب من مطار بغداد ليعيش في بستان يملكه صهره. وأطلق لحيته الطويلة وعمل مزارعا حتى لا تعثر عليه قوات الأمن التابعة لصدام حسين.
وغامر مرة أخرى في عامي 1990 و1991، عندما غزت قوات صدام الكويت، وهي خطوة حولت العراق إلى دولة منبوذة.
وهاجم تحالف تقوده الولايات المتحدة القوات العراقية وفرضت الأمم المتحدة عقوبات على بغداد لأكثر من عقد.
وتجنب عامر الخدمة العسكرية خلال احتلال العراق للكويت لمدة سبعة أشهر حتى بعد أن أصدر صدام مرسوما يقضي بقطع جزء من آذان الفارين أو وضع علامة (X) على جباههم.
وكان مكروها من زملائه السابقين في الجيش ومعظم السكان في حيه، لكن لم يسلمه أحد لأنهم كانوا يعلمون أنه سيواجه الإعدام.
وقال “عانيت الكثير وأحيانا كنت أفكر في إنهاء حياتي، لكني قلت لنفسي إن الأمل دائما يبقى موجود حتى وإن كان ضئيلا”.
وعندما انتهى حكم صدام طويل الأمد في عام 2003، أقام عامر حفلا مترفا في منزله. ظن أنه لن يضطر أبدا إلى الهرب للنجاة بحياته مرة أخرى بعد أن سيطرت القوات الأمريكية على البلاد.
ووعد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وجنرالاته بتحقيق ديمقراطية مزدهرة واقتصاد ناجح، وهو ما يتناقض بشدة مع حكم صدام عندما تعرض الأبرياء للتعذيب والقتل وجرى تبديد مليارات الدولارات من أموال النفط.
لكن بدلا من ذلك، اندلع المزيد من العنف. وبدأ تنظيم القاعدة حملة أعمال مسلحة مدمرة إذ أطلق القنابل وقطع رؤوس الناس. وسرعان ما غرق العراق في حرب أهلية طائفية بين عامي 2006 و2008 كانت في معظمها بين السنة والشيعة. وكان من الممكن رؤية الجثث تطفو على سطح الأنهار.
عاد عامر والملايين غيره ليعيشوا مجددا تحت وطأة الخوف بعدما قامت جماعات مسلحة بمحاربة القوات الأمريكية.
وفي أكتوبر تشرين الأول من عام 2004، قام مسلحون سنة ينتمون لتنظيم القاعدة باختطاف والد عامر وشقيقه وابن عمه من حقل للعائلة كانوا يعملون فيه ونقلوهم إلى مكان مجهول لا لسبب إلا لكونهم من الشيعة.
وقال عامر “لقد كنت مصدوما ومحطما وأشعر بالخوف من أن الأسوأ سيحصل لوالدي وأخي وابن عمي. لم أكن مستعدا للعيش تحت الخوف من جديد”.
وأمضى عامر نحو عام في محاولات لمعرفة مصير أحبائه، وكثيرا ما كان يتردد على المشرحة في بغداد حيث تصل الجثث مجهولة الهوية للقتلى الذي يسقطون في أعمال عنف طائفية.
وتابع قائلا “بعد سنة من اختطاف أبي وأخي وابن عمي، جاءت الشرطة لمنزلي وطلبوا مني الذهاب إلى مركز حفظ الجثث الرئيسي في بغداد بعد عثور الشرطة على بقايا ثلاث جثث في مستنقع ليس ببعيد عن منطقتي”.
ويتذكر عامر كيف ذهب إلى المشرحة في بغداد ورأى جثثا مكدسة بعضها فوق بعض في كل مكان في المبنى.
وقال “تعرفت على جثة واحدة عن طريق الساعة اليدوية التي كانت لا تزال موجودة على عظم اليد. كانت تعود لأخي كاظم”.
واستلم الجثث ودفنها في اليوم التالي في مدينة النجف وأقام سرادق عزاء في نفس المكان الذي احتفل فيه بسقوط صدام عام 2003.
ثم عاد عامر ليتوارى عن الأنظار مرة أخرى، ونادرا ما كان يخرج إلا لشراء طعام لزوجته وبناته الثلاث.
وبعد طول عناء بدأت الأمور تتحسن، وحصل عامر على وظيفة في شركة إنشاءات أجنبية عام 2010.
ولم تكد تمر ثلاث سنوات حتى عادت الأزمات. واعتقل مسلحون عامر وكالوا له الضربات قبل أن تلقي به على جانب طريق وبه كسور في ذراع وضلع وثلاث من أسنانه.
وذكر عامر” قالوا لي إنني يجب أن لا أعمل مع شركة أمريكية لأن هذا سيجعلني يالضبط كجاسوس”.
المسلة رويترز
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
ستون أم ثلاث وستون؟ معركة التقاعد تُشعل جدلاً في بلد الأحلام المؤجلة
مسؤول ايراني: ملامح اتفاق روسي تركي لإبعاد الأسد عن الحكم
الصدر يدعو الى عدم التدخل العراقي في الشأن السوري: “كما فعلوا من قبل”