بغداد/المسلة:
د. صلاح عبد الرزاق
الأسرة والنشأة
ولد السيد طالب بن داود بن قنبر الرفاعي عام ١٩٣١ في قضاء الرفاعي التابع لمحافظة ذي قار. وكانت تسمى الكرادي نسبة إلى بيت الكرادي في سوق الشيوخ. وتم تغييرها الى الرفاعي بقرار من رئيس الوزراء ونسبة إلى السيد أحمد الرفاعي (١١١٨-١١٨١) صاحب الطريقة الرفاعية المولود في الكرادي والمدفون في بغداد وقيل في القاهرة .
تنتمي أسرة طالب إلى الحلة ، وكان جده قنبر قد هاجر من الحلة فراراً من التجنيد الاجباري الذي كانت السلطة العثمانية تمارسه. وسبق لقنبر أن شارك في الحرب التركية الروسية ، وعاد مع عشرة من المجندين معه إلى العراق بعد أن قتل الباقون. سكن السيد قنبر مدينة عفك وعاش فيها مع أولاده. كان عمه السيد عبود الرفاعي معمماً تزوج من خالة السياسي العراقي عبد المجيد عباس وهو من مدينة قلعة سكر. وقد أصبح عبد المجيد عباس الحيدري وزيراً في العهد الملكي ومندوباً في الأمم المتحدة.
درس في مدرسة الرفاعي الابتدائية التي افتتحت عام ١٩١٨، واتخذت بناية الخان محلاً لها مستأجرة من قبل الانكليز. في عام ١٩٥١ وبعد انهاء الدراسة الابتدائية توجه السيد طالب إلى مدينة النجف الأشرف للانضمام إلى الحوزة العلمية لمتابعة دراسته الإسلامية. فالحوزة التي أسسها الشيخ الطوسي قبل ألف عام ما زالت تستقطب طلاب الفقه وعلوم العربية والتفسير وغيرها. وصل الرفاعي النجف في يوم وفاة الفقيه الشيخ محمد رضا آل ياسين والشوارع حزينة والأسواق معطلة حداداً على الفقيد. نزل ضيفاً في دار الشيخ محمد علي الخمايسي، وكان يرافقه إلى جامع الهندي حيث تعقد الحلقات الدراسية في العلوم الفقهية.
كان السيد طالب يرتدي العقال والشماغ الجنوبي قبل ارتداء العمامة. وقد اعتمر العمامة على يد الشيخ عباس الرميثي وكان أحد أبرز المجتهدين العرب في النجف الأشرف. وقد جرى ذلك في يوم عرفة ، وارتدى معها جبة فصار بذلك واحداً من السلك الديني الشيعي. وبقي ذلك الزي يرافقه طوال حياته وحتى في تواجده في أوربا أو أمريكا فلا يتخلى عنه. وعندما زارني في منزلي بهولندا كان يرتدي زيه. في حين أعرف بعض العلماء والخطباء ينزع عمامته في أوربا لتفادي أية مضايقة من بعض المتعصبين.
كانت أبرز مشكلة واجهت السيد طالب هي السكن . فالمدارس الدينية آنذاك كانت مملوءة بالطلاب حيث يشغل الغرفة عدة طلاب. لم تكن أمامه سوي القبول بعرض من الشيخين الرميثي والخمايسي بالسكن في مقبرة أسرة آل ياسين حيث توجد في سرداب تحت الأرض في طرف محلة العمارة. بقي يسكن المقبرة ثلاث سنوات حتى بلغ دراسة (اللمعة الدمشقية) مما فسح له الطريق إلي الانتقال إلى مدرسة القوام. وقد حصل على غرفة بوساطة من السيد حسين بحر العلوم حيث تشاركا في السكن معاً. أكمل السيد طالب دراسته الحوزوية بإرشاد من السيد محمد باقر الصدر. وترقى في مدارج الدراسة حتى درس البحث الخارج على يد السيد أبو القاسم الخوئي (١٨٩٩ – ١٩٩٢).
نشاطه الحزبي
خلال وجوده في بغداد ، إطلع السيد طالب على أفكار حزب التحرير الأردني حيث التقى ببعض رموزه ، إضافة إلى المنتمين الشيعة. كما اطلع على نشرات جماعة الاخوان المسلمين وأفكارهم وصلته بالمؤسس محمد محمود الصواف (١٩١٥ – ١٩٩٢) . عندها نضجت لديه فكرة العمل الحزبي الإسلامي وتأسيس تنظيم جديد يتبنى أفكاراً إسلامية أصيلة. يقول السيد طالب: فاتحني محمد هادي السبيتي وجابر العطا بأن أتولى تحمل مسؤولية هذا العمل على نمط غير نمط حزب التحرير فقلت لهما: أنا شخصياً لا أصلح لهذه المهمة (رشيد خيون: أمالي السيد طالب الرفاعي / ص ١٠٦).
وحسب روايته ذهب السيد طالب مع آخرين إلى السيد محمد باقر الصدر (١٩٣٥- ١٩٨٠) ليطلب منه التصدي لتأسيس حزب إسلامي صار فيما بعد حزب الدعوة الإسلامية. وفي مكان آخر يقول السيد الرفاعي بأنه اقترح على السيد مهدي الحكيم (١٩٣٥ – ١٩٨٨) مفاتحة السيد محمد باقر الصدر في عام ١٩٥٩، وقد وافق السيد الصدر. وهذا يخالف رواية مؤرخي حزب الدعوة أمثال السيد علي المؤمن والسيد صلاح الخرسان والسيد حسن شبر (١٩٢٩ – ٢٠٢١) الذين ذكروا أن التأسيس تم في ١٧ ربيع الأول ١٩٥٧ بعد اجتماع في منزل السيد محسن الحكيم في كربلاء بحضور عدد من العلماء والمثقفين.
ومن أغرب القضايا التي واجهت السيد طالب الرفاعي أن قيادة الحزب الإسلامي العراقي (تأسس عام ١٩٦٠) عرضت عليه وهو الشيعي زعامة الحزب عندما حضر مؤتمراً للحزب ، وقاده الشيخ طه جابر العلواني (١٩٣٥ – ٢٠١٦) إلى المنصة ليلقي كلمة أثارت إعجاب الحاضرين. اعتذر السيد طالب من رئاسة الحزب فتم اختيار عبد الرزاق نعمان السامرائي (١٩٣٥ – ٢٠٢١) رئيساً للحزب.
دوره السياسي
بعد ثورة تموز ١٩٥٨ تأسست جماعة العلماء في العراق برئاسة الشيخ المجتهد مرتضى آل ياسين (١٨٩٤ – ١٩٧٨). وكانت الجماعة تواجه المد الشيوعي وتناوئ الزعيم عبد الكريم قاسم. وقد انتمى السيد طالب إليها في الصف الثاني منها. وكان يحمل المنشورات ويواجه الشيوعيين وهتافاتهم. وكان يقود الموكب الحسيني الخاص بأهالي كربلاء في مراسم عاشوراء في كربلاء.
ويقول السيد طالب أنه كان وراء تهييج الشارع النجفي ضد صحيفة (الحضارة) التي يرأسها محمد حسن الصوري وهو لبناني كان معمماً وينتمي للحزب الشيوعي. فقد نشر عام ١٩٦٠ مقالاً بعنوان (الحمار الحكيم) يقصد به المرجع السيد محسن الحكيم (١٨٨٩ – ١٩٧٠). وكان الكاتب المصري توفيق الحكيم (١٨٩٨ – ١٩٨٧) قد أصدر كتابه (حمار الحكيم) فاستغله الشيوعيون للسخرية من المرجع الحكيم. فقام السيد طالب بشراء نسخ من الصحيفة ووزعها على البيوتات النجفية التي سرعان ما غضبت. وقد قام السيد محسن الحكيم بالاعتصام بداره ولم يذهب للنجف كعادته للصلاة في الصحن الحيدري. وصارت الوفود تأتيه للتضامن معه. كما زارته وفود من العشائر مستنكرين الإساءة للمرجع الأعلى حاملين السلاح والرايات ، يهتفون بالهوسات ويقيمون العرضات.
ممثل المرجعية في مصر
كان السيد الرفاعي معجباً بالمفكر السيد جمال الدين الأفغاني (١٨٣٨ – ١٨٩٧) ، ثم أعجب بتلميذه الشيخ محمد عبدُه ( ١٨٤٩- ١٩٠٥) فقرآ تفسيره وبقية كتبه فصار متعلقاً به وبآرائه. وكان الشيخ عبدُه معتقلاً منصفاً للمذاهب الإسلامية، وسار على هذا المنهج طلابه منهم الشيخ سليم البشري ( ١٨٣٢ – ١٩١٧) والشيخ محمود شلتوت (١٨٩٣ – ١٩٦٣). وكان معجباً بكتابات محمود عباس العقاد (١٨٨٩ – ١٩٦٤) وطه حسين (١٨٨٩ – ١٩٧٣) وعائشة عبد الرحمن (١٩١٣- ١٩٩٨) ، الأمر الذي جعل مصر تحتل مكانة في عقله، وكان يتمنى شد الرحال إليها.
سافر إلى القاهرة لتقديم أوراقه لإكمال دراسة الماجستير فيها بعد أن تخرج من كلية الفقه بالنجف الأشرف. تم قبوله في دار العلوم بوساطة من الوزير السابق عبد الرزاق محي الدين (١٩١٠- ١٩٨٣).
وكان بعض العراقيين الذين يترددون على مصر قد كتبواً كتاباً إلى المرجع السيد محسن الحكيم يطلبون فيه إرسال ممثلاً عنه إلى القاهرة ليتولى أمورهم الدينية والشرعية. لم يجد السيد الحكيم أفضل لهذه المهمة من السيد طالب الرفاعي فكلفه بها.
وصل السيد الرفاعي إلى القاهرة في محرم عام ١٩٦٩ حاملاً رسالة من المرجع الحكيم. وكان أول نشاط له إلقاء كلمة بمناسبة عاشوراء في قبة الغوري التي أنشأها السلطان قانصوه الغوري عام ١٥٠٣ م. والخطاب الثاني عن كربلاء كان في مسجد السيدة زينب حيث كان الحضور ١٥ طالباً عراقياً جلسوا في زاوية من المسجد وبلا منبر. وسرعان ما تجمع المصريون حوله فصار العدد يناهز الستين ، ثم جاء شخص قوي الجسم فحمل السيد طالب بيديه وأجلسه على المنبر قائلا: يجب أن يسمع الجميع هذا الحديث. ثم جاء بمكبر الصوت ووضع الميكرفون أمامه. فكان منظراً لم تشهده مصر من قبل : سيد معمم يرتقي المنبر في مسجد مصري. ولم سمع الناس صوته تجمعوا وامتلأ المسجد على سعته. الأمر الذي استفز رجال الأمن في حكم عبد الناصر. وعندما رفع أذان المغرب توقف السيد طالب وأنهى خطابه. جاءه الشيخ شهلوب وأخذه من المنبر إلى محرب الصلاة ليصلي بالناس إماماً. بعد الصلاة طلب الحضور منه إلقاء كلمة عن السيدة زينب (ع) فتحدث حتى أذان العشار فنزل من المنبر وخرج من المسجد. وكان الناس يتجمعون حوله بشكل مزدحم.
تطورت علاقة السيد الرفاعي بالجمهور المصري ، فأخذ يعقد مجالس في بيته ويلتقي ببعض الشخصيات المصرية المعروفة. وكان لا يتوانى عن الإجابة على الأسئلة المذهبية المحرجة بأسلوب مهذب مرفقاً بالأدلة التاريخية. كما كان يعير كتباً جدلية من مكتبته إلى الضيوف مثل كتاب (المراجعات) للسيد عبد الحسين شرف الدين الذي كان له الأثر في تغيير أفكار بعضهم. الأمر الذي دعاه لتأسيس (دار أهل البيت) ومكتبة ، ويعقد مجلس أسبوعي في داره.
في حفل تأبين محب الدين الخطيب ، وهو كاتب وداعية مصري كان يحقد على الشيعة ويكفرهم، طُلب من السيد الرفاعي إلقاء كلمة فألقى كلمة بدأها بقوله أن الشيعة يسمونه (عدو الدين) وليس محب الدين لأنه يعتبرهم كفرة. فساد غضب بعض الحاضرين منهم ابن محب الدين واسمه قيس. تم تسجيل الكلمة تناقلتها المجالس في مصر حتى وصلت إلى وزير الداخلية شعراوي جمعة فأصدر قراراً بتسفير السيد طالب خارج مصر. علم الرئيس عبد الناصر بالأمر فاتصل بوزير الداخلية ومنعه من تسفيره. وكان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى المصري وكذلك رئيس جمعية الشبان المسلمين إبراهيم الطحاوي وكان على صلة بالسيد طالب، فاتصلا بالرئيس وأخبراه بقضية تسفير إمام الشيعة في مصر طالب الرفاعي.
وكان السيد طالب قد التقى بجمال عبد الناصر في مؤتمر علماء المسلمين. استمر تمثيل السيد الرفاعي للمرجعية في مصر من عام ١٩٦٩ إلى عام ١٩٨٥ .
لقاءاتي مع السيد طالب الرفاعي
يعود أول لقاء لي مع السيد الرفاعي إلى عام ١٩٩٩ عندما زار هولندا بعد زيارته للسويد لحضور مراسم دفن ولده جعفر الذي توفي في حادث سيارة. استقبلت السيد طالب في منزلي، وانتهزت الفرصة للحديث عن الوضع العراقي والحزبي والإسلامي. كان مخزناً للمعلومات الدقيقة وذاكرة قوية تحفظ التواريخ والأسماء والأماكن. قررت وضع كاميرا فيديو لتسجيل حديثه التاريخي الطويل الذي استغرق ثلاث ساعات.
لقاء مع السيد طالب الرفاعي وذكرياته
زرت السيد طالب الرفاعي بعد أن أخبرني الدكتور حيدر البرزنجي بوجوده في بغداد. في ٣٠ نيسان ٢٠١٩ التقينا في أمسية جميلة في محل اقامته في الكرادة خارج قرب مطعم عيون بغداد جلسنا طويلاً في حديث شيق نقلب فيه صفحات ذكريات السيد الرفاعي الذي ما زال يحتفظ بذاكرة قوية رغم بلوغه الثمانية وثمانين عاماً. فكانت لنا أحاديث متنوعة دونت بعضها.
سفره إلى القاهرة عام 1969
ذكر الرفاعي أن السيد محسن الحكيم كان يبحث عمن يمثل المرجعية في القاهرة فلم يجد سواه لهذه المهمة. وأضاف: جلسنا أنا والسيد الحكيم نتداول في الأسماء المرشحة واحداً واحداً فلم يقتنع بها، ثم قال: أنت خير من يمثلني، فقلت: نعم ولكن أنا أستجيب لحكم، فقال: لقد حكمت.
ذهب إلى القاهرة وباشر عمله الذي استمر فيه حتى 5 كانون الأول عام 1985 ، والتقى بكل من جمال عبد الناصر (١٩١٨- ١٩٧٠) (ذكر تفاصيها في كتاب يوميات عالم شيعي في القاهرة) وأنور السادات (١٩١٨- ١٩٨١) وحسني مبارك (١٩٢٨- ٢٠٢٠). ودعا المصريين إلى المذهب الشيعي ، وقد استجاب له كثيرون . وقال: هذا التشيع الحالي في مصر طلع من عبائتي ، مشيراً اليها بيده. آنذاك لم يكن هناك عشرة من الشيعة. والآن يقول بعض الناس أن عددهم 5 ملايين و آخرون يقولون أن عددهم 10 ملايين ، وحتى لو كانوا مليون شخص فلي الفضل فيه. وكان الرفاعي يلقي محاضرات وكلمات في الجامعات والاحتفالات بشكل متواصل.
وكانت علاقته بالأزهر جيدة وخاصة مع الشيخ محمد الفحام. وكان شيخ الأزهر يزروره في بيته. كما أنه التقى بزعامات الاخوان مثل حسن الهضيبي (١٨٩١– ١٩٧٣) وعمر التلمساني (١٩٠٤- ١٩٨٦).
سألته: هل لخروجك علاقة بتوتر العلاقة بين الامام الحكيم وسلطة البعث عام 1969 بعد اتهام السيد مهدي الحكيم بالتجسس؟ فأجاب: كلا لأنني كنت قد غادرت العراق قبلها. للأسف دام تمثيلي للحكيم عدة أشهر فقط لأنه توفي عام 1970 . وقد أقمت له فاتحة مطنطنة في القاهرة.
ومن ضمن أعمالي تأسيس جمعية أهل البيت في القاهرة. ومن بعدي تم اغلاقها من قبل الأمن المصري. وطوال اقامتي في القاهرة لم أتعرض لضغوط أمنية أو غيرها. وطوال إقامته في مصر ألقى السيد الرفاعي مئات الكلمات والمحاضرات في الاجتماعات والمساجد والجمعيات وفي الجامع الأزهر. وكان يلتقي الكثير من الشخصيات العلمية والأزهرية والأكاديمية ، ويستقبلهم في منزله مثل شيخ الأزهر محمد الفحام (١٨٩٨- ١٩٨٠).
الامام الحكيم وسيد قطب
تحدث الرفاعي أنه عام 1966 تم الحكم بالاعدام على زعيم الاخوان المسلمين سيد قطب (١٩٠٦- ١٩٦٦) ، وتداولنا الموضوع مع الامام الحكيم حتى توصلنا إلى ضرورة التحرك وارسال برقية من الحكيم إلى عبد الناصر تطلب منه فيها ايقاف حكم الاعدام. فأخذ الرفاعي البرقية إلى مكتب البريد وأرسلها إلى رئاسة الجمهورية في مصر. وعندما زار مجموعة من علماء السنة السيد الحكيم وفاتحوه بضرورة التدخل لمنع اعدام سيد قطب، مد يده تحت وسادته وأخرج البرقية وعرضها عليهم، فتعجبوا وأبدوا احترامهم للمرجع الحكيم.
الرفاعي وسيد قطب
في حديثنا عن سيد قطب قلت له: أنه كان أديباً وكاتباً رصيناً ، ودخوله في الاخوان المسلمين جعله عرضة لانتقام السلطة. فقال الرفاعي: نعم هذا صحيح ، لقد وجدوا فيه قلماً لامعاً فطلبوا منه أن يتزعم الحركة. لقد خسرته الساحة الأدبية . كان أديباً قديراً ، ولكنه انتقل في منهجه من عباس محمود العقاد إلى أبو الأعلى المودوي (١٩٠٣- ١٩٧٩) الذي صار قدوة له، ولو كان التزم بمنهج حسن البنا لكان أفضل له.
قلت: إن سيد قطب (1906- 1966) جاء متأخراً على الاخوان المسلمين حيث انضم للجماعة عام 1950 أي بعد تأسيسها باثنين وعشرين عاماً لأنها تأسست عام 1928 . وكان قبلها عضواً في حزب الوفد المصري الذي تركه عام 1942. ثم حصل على بعثة إلى أمريكا عام 1948 للتخصص في التربية وأصول المناهج. كان قطب منظراً للجماعة وليس مرشدها لكنه أثر في كل الحركة الاسلامية في المنطقة.
الرفاعي: لقد استعانوا به في مرحلة معينة وظروف مرت بها الجماعة.
قلت: جاء في وقت كان فيه المستشار حسن الهضيبي مرشداً للجماعة. وكان من كتبه المثيرة للجدل هو (معالم في الطريق) الذي تضمن أولى معالم الفكر التكفيري للمسلمين عندما قسم الناس إلى ثلاث فئات: مسلمون، وأهل ذمة يدفعون الجزية، وكفار يجب قتالهم.
الرفاعي: ولذلك كتب الهضيبي كتابه (دعاة لا قضاة). وكان كتاباً جميلاً جداً.
وحول رأيه بالمرجعية قال لي: لقد انتقدت مرجعية السيد الخوئي، وأنه قال له مباشرة: إن الله ابتلى الأمة بمرجعيتك . أنت لا تصلح مرجعاً بل تصلح مدرساً بامتياز. وأضاف: إن المراجع لم يكن لديهم استشراف وبعد نظر. ولا يعرفون سوى بيوتاتهم وما يحيط بهم. وبقوا داخل سور النجف . في حيت أشرت إلى أدوار رائعة علماء آخرين أمثال السيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ محمد حسين أل كاشف الغطاء والسيد محسن الأمين والشيخ عبد الكريم الزنجاني. وأنهم زاروا مصر وعرفوا حاجة الشيعة بدل التنافس على المرجعية أو هذه المدينة وتلك القرية.
وعندما مكثت في مصر قلبت الموازين ، وانتمى للتشيع قرابة مليون مصري. ولو كان الشيخ كاشف الغطاء بقي في مصر عام ١٩١٨ لكان الآن يوجد عشرة ملايين شعي مصري.
وحدثني عن لقاءاته السرية مع بعض قيادات الاخوان المسلمين من محامين وأكاديميين لأن اللقادات العلنية كانت تؤدي لاعتقالي من قبل أجهزة الأمن المصرية.
رأي الرفاعي بكتبي
قال الرفاعي بأنه قرأ كتبي وخاصة المجلدات الخمسة ( وهي مجموعة كتب تضم: ١-المفكرون الغربين المسلمون مجلدان ٢- الإسلاميون والديمقراطية ٣-الأقليات المسلمة في الغرب ٤- الإسلام السياسي والدولة الإسلامية المعاصرة)، وأنه قرأ كتابي (حزب الدعوة الاسلامية) من الألف إلى الياء. وأضاف: لقد جذبني لأن الموضوع جار في دمي وعروقي، وآنت أقرب إلى منهج السيد فضل الله والشيخ شمس الدين.
وأن طرحك للمسائل يتسم بالمهنية والموضوعية. حتى أن قال : أنت أفضل من كتب في هذا الموضوع. ورغم أنك اعتمدت على كتابات الآخرين لكن هذا ليس ذنبك بل ذنب الذين اعتمدت عليهم. أي ليس ذنب المعتمِد بل ذنب المعتمَد. وهذا هو المتوفر في الساحة.
الاختلاف في تواريخ الشيعة
تناولنا قضية الدقة والأمانة في السرد التاريخي ، وذكرت أن المؤرخين المسلمين ينقل بعضهم عن بعض كثير من الروايات دون تمحيص مثل كتاب المغازي للواقدي وسيرة ابن هشام وتاريخ الطبري. فقال الرفاعي: وهذه مشكلة تاريخنا من الطبري إلى ابن الأثير. وهذا ما يتوفر للمؤرخين من المصادر. وإن كان ذلك لا يمثل التاريخ الصحيح لكن لا يوجد غيرها. هل من المعقول أنه لم يكتب أحد في التاريخ، وانتظرت الأمة ثلاثة قرون حتى يكتب لها تاريخ؟ فقلت: أول من كتب الحوادث التاريخية وبالتفصيل وحسب السنين هو الطبري. فأيد الرفاعي ذلك بقوله: أول من كتب الحوليات هو الطبري. وربما كتب غيره أو قبله وتأثر بهم. إن كتاب سليم بن قيس الهلالي (توفي 695 ميلادي هو أقدم تاريخ لدينا (١). وقد قام بتأليف كتابه في عصر الأئمة (ع) ، إذا عاصر الامام علي (ع)، وكتابه بلا طائفية ، ولذلك يجب اعتماده.
أضفت: نعم هناك تواريخ أخرى وبعضها تخصص في الفتوحات أو تاريخ الخلفاء. والملاحظ أن رواياتها هي روايات سلطة وكتاب سلاطين.
ثم سألته: لماذا نجد هناك اضطراباً في تواريخ الأئمة (ع) حيث هناك عدم دقة أو عدم الاتفاق على الرواية الواحدة. فما زلنا نجد اختلافاً في تاريخ الولادة أو الوفاة ، بل وحتى في أسم الأم وأصلها، إذ تجد عدة روايات لأسماء أمهات الأئمة (ع) مثلا السيدة حميدة أم الامام الكاظم (ع)، فتارة يقال أنها بربرية ، وأخرى نوبية.
فأجاب: الأرجح أن أم الامام الكاظم (ع) بربرية ، وهي زوجة الامام الصادق (ع) وأم إسحاق المؤتمن.
فسألته: لماذا نجد أن المؤرخين الشيعة قد اختلفوا في المعلومات الخاصة بالأئمة (ع) وأبناءهم وزوجاتهم. مثلاً الشيخ المفيد ينقل عدة روايات عن الواقعة الواحدة. فهذا معناه أن غير متأكد من أحدها فيذكرها كلها.
أجاب الرفاعي: هي حُمَيدة ، وعندما يقال لغيرها قيل يعني غير أكيدة أو رواية ساقطة. وهي أحد أوصياء الامام عليه السلام ، والطامة الكبرى أن أحد الأوصياء هو المنصور العباسي. وقد اجتمعا لحكمة الامام عليه السلام، لأن المنصور قال بأنه من يبرز من أولاده كإمام للشيعة ووصي من بعده فيجب قتله (وأشار الرفاعي بيده على عنقه) . لذلك أضاف المنصور إلى الأوصياء فلا يعرف من هو الوصي الحقيقي، حتى يقتله، فكيف وهو أي المنصور أحدهم.
سألت الرفاعي: لماذا تزوج الأئمة بجواري أصبحن أمهات للأئمة؟
فأجاب: ستة من أمهات الأئمة كن جواري آخرهن السيدة نرجس أم الإمام المهدي (ع). وكان الهدف هو تذويب الحالة الطبقية المتفشية في المجتمع.
فعلقت: لكن حتى السلطة كانت تنجب خلفاء من أمهات جواري، أمثال أم المأمون، فقال: نعم اسمها مراجل وهي من خراسان. ولذك احتضنت خراسان المأمون ، ولولاهم لما انتصر. وأضاف الرفاعي: وحتى الكويتيون نظروا لابن الجارية. ورأينا أن جابر الأحمد جاء بسعد العبدالله ليصبح ولياً للعهد. فقلت: لقد كانت حصته في الحكم وأخذها. فعلق قائلاً: ذكر لي أحد الكويتيين القدماء بأن جابر الأحمد أراد أن يبيع كل أولاد الجواري في البلاط ، يجمعهم ثم يبيعهم في الخليج كالعبيد. هذه القضية قديمة في المجتمع، مثلاً كان عنتر ابن شداد وأمه جارية سوداء اسمها زبيبة. وكانت عبلة بنت عمه . وإلى عهد قريب يسمون ابن الكردية أو ابن الايرانية بالناقص. بعد ذلك تم رفع الرق تدريجياً. لقد بقيت النزعة الجاهلية معنا إلى الآن.
سفرات الرفاعي
سألت الرفاعي عن البلدان التي زارها فقال: زرت الكويت والامارات وعمان والبحرين. وكلها تمت بعد استقراري في مصر ، وصارت لدي حرية في التنقل بعد مغادرة العراق. وكانت زيارات غنية بالنشاطات والمحاضرات واللقاءات في الاذاعات والقنوات.
صلاة الرفاعي على الشاه
من أبرز القضايا التي هوجم فيها الرفاعي هي صلاته على شاه إيران (1919-19٨٠) بعد وفاته عام 1980 بعد فترة حكم دامت 38 عاماً (1941-1979) ، حيث دفن في مسجد السيد احمد الرفاعي بالقاهرة. وكان الشاه قد توفي بمرض السرطان في الغدد الليمفاوية. وقد أقام له الرئيس أنور السادات جنازة عسكرية مهيبة من قصر عابدين إلى المسجد الذي دفن فيه قبله والده رضا بهلوي عام 1944 حيث دفنا في غرفة واحدة. وقد طلبت السلطات المصرية من السيد طالب الرفاعي أقامة صلاة الجنازة على الشاه لكون الشاه شيعياً اثنا عشرياً.
تحدث الرفاعي فقال: توفي الشاه في شهر رمضان في ٢٧ تموز عام ١٩٨٠ ، وطلب وزير الأوقاف زكريا البري مني الصلاة على جنازة الشاه بطلب من أنور السادات. حاولت التهرب بالقول لا فرق من يصلي عليه سواء كان سنياً أو شيعياً ، فأي مسلم يمكنه أداء هذه الشعيرة. رد الوزير بقوله: يا شيخ طالب جئتك رسولاً يحمل رسالة من السيد رئيس الجمهورية ، وأريد الجواب بنعم أو لا، فلا تدخل معي في بحث علمي ، عندها أجبت: نعم أصلي.
عند الفجر جاءت سيارات تحمل ضباطاً لترافقني إلى مستشفى المعادي حيث جثمان الشاه. أشرف السيد الرفاعي على مراسم التغسيل والتكفين حيث كانت الجثة بلا كفن. بعد ذلك تم نقل السيد طالب إلى قصر عابدين ، حيث يقيم أنور السادات، لإمامة الصلاة على جنازة الشاه. وكانت زوجته فرح بهلوي حاضرة وتصر على أداء الصلاة وفق المذهب الجعفري. طلب السيد الرفاعي نقله إلى مسجد الرفاعي حيث تقام الصلاة ، وغاب عن التشييع الرسمي الذي أقامه السادات للشاه. في مسجد الرفاعي حيث المقبرة الملكية التي تضم قبور عائلة خديوي مصر. بقي السيد طالب ينتظر عدة ساعات والصحفيون يمرون عليه حتى جاء الظهر ودخل المشيعون على رأسهم السادات والرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون وملك اليونان السابق قسطنطين وعائلة الشاه إضافة إلى شخصيات أخرى وسفراء فرنسا وبريطانيا واليابان وأستراليا وإسرائيل في القاهرة. بعد أداء الصلاة أشرف على دفن الشاه في سرداب المسجد ، ثم قام بتلقين الميت بحسب المذهب الشيعي.
تعرض السيد طالب الرفاعي لحملة شعواء بسبب صلاته على الشاه. إذ جعلته صحف إيرانية كافراً حتى أن المباحث المصرية حذرته من المتطرفين الإيرانيين. فكان السيد الرفاعي يقول: من سوء حظي أني صليت على جنازة الشاه وهو مجرّد من المُلك ، معزول من السلطة. ولو كان متوفيا وهو ملك لما تمكنت من الصلاة عليه مأموماً، ملمحاً إلى كثير من الفقهاء والمراجع كان سيصلي عليه آنذاك.
وكان السيد كاظم الحائري من الغاضبين على الرفاعي فكتب له: مهما كانت عليّ من مؤاخذات في صلاتي على شاه إيران ، فإني صليت على رجل مسلم، والصلاة على المسلم واجبة مهما كان حاله. فكتب الحائري له : هذا كافر ولا تقل مسلماً. فالقضية على ما يبدو سياسية وليست فقهية شرعية. والغريب أن مرشد الجمهورية الإيرانية السيد علي الخامنئي قد وجه دعوة رسمية للسيد طالب الرفاعي لزيارة إيران عام ١٩٩٩.
سألني: هل كتبت عن الاخوان المسلمين أو السنة؟
أجبت: أنا مهتم بالشأن العراقي عادة. ومع ذلك سلطت الضوء في كتابي (العالم الاسلامي والغرب) على حركات الجهاد الاسلامي ضد الاستعمار في مصر في عهد نابليون وثورة أحمد عرابي 1882 . كما تناولت أحداثاً إسلامية وسياسية تتعلق بالهند وتركيا وفلسطين وغيرها.
إن الكتاب العرب عادة لا يتناولون العراق أو الحركات الاسلامية العراقية في مؤلفاتهم عن الحركات الاسلامية في العالم العربي أو الاسلامي، بل يقتصر حديثهم على الحركات السنية فقط. خذ مثلاً الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه (أمتنا بين قرنين) تجاهل حركة السيد محمد باقر الصدر وتأثيره في الصحوة الاسلامية مثل بقية العلماء السنة الذين أشاد بهم وبنتاجاتهم وتأثيرهم. كما تجاهل دور المرجعية في مقاومة الاحتلال البريطاني عام 1914.
في كتابي (العراق والاسلام السياسي) تحدثت عن الحزب الاسلامي العراقي وظروف تأسيسه وقادته وأبرز شخصياته. كما تناولت هيئة علماء الدين في العراق بزعامة حارث الضاري. وتحدثت عن أحمد محمود الصواف وطه جابر العلوان.
علق الرفاعي: طه العلوان هو أشرفهم ، وكان يقيم في أمريكا ، وقد التقيت به عدة مرات.
قلت: كان معتدلاً في كتاباته.
قال: كانت لديه ايجابيات مع الشيعة. كان صديقي وصديق السيد مهدي الحكيم.
(١) سليم بن قيس من التابعين ومن أصحاب الامام علي بن أبي طالب ، ولد في السنة الثانية قبل الهجرة، واشترك في حرب الجمل وصفين والنهروان، ثم هرب من الحجاج إلى بلاد فارس حتى توفي هناك عام 76 هـ / 695 م. له كتاب (السقيفة) ، ويُعرف ب (كتاب سليم بن قيس)، وهو أول من كتب في الأحداث التي أعقبت وفاة الرسول (ص)
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
روسيا: نبذل “جهودا قصوى” لتجنب صراع نووي
السوداني وبوتين يبحثان التنسيق في أوبك+ لضمان استقرار أسعار النفط
هولندا وبلجيكا: مستعدون لتنفيذ أمر المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو