المسلة

المسلة الحدث كما حدث

الامن القومي العراقي… في ظل التهديدات والمخاطر والتحديات

6 يونيو، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

عباس عبود سالم

 تقوم الرؤية الأمنية العراقية كما أي دولة على رسم ملامح بيئتها التي تنبع من المعرفة العميقة بالإمكانات الذاتية وبمصادر التهديد القائمة والمتوقعة التي تحيط بالدولة العراقية، فالبيئة الاستراتيجية تتكون من حقائق وسياق احداث وظروف وعلاقات وتهديدات وفرص وتفاعلات تؤثر في نجاح الدولة في علاقتها مع العالم.

ولا يمكن التفكير باستراتيجية للأمن القومي في اي بلد بدون تحديد مصادر التهديد، والبدء بإجراءات امنية متوافقة مع المخاطر أو التهديدات الأمنية الفعلية أو المحتملة، فقد ارتبط الامن بالبقاء حسب راي هنري كيسنجر، وبالتنمية حسب روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، لكن الأهم هو ارتباطه بتحديد مصادر التهديد، وقد حدد باري بوزان هذه الملامح عندما عرف الامن بانه “العمل على التحرر من التهديد”.

وبعد نهاية الحرب الباردة وما رافقها من تطورات تحت سقف العولمة، حصل تطور في مفهوم الامن القومي، فالقوة لم تعد ترتبط بالعامل العسكري بل تجاوزته إلى مديات أوسع باتجاه السياسة والتكنولوجيا والتعليم، والنمو الاقتصادي واعتماد المعلومات، لكن التهديدات تعاظمت واختلفت وتنوعت، وهذا محور دراستنا الموسومة “الامن القومي العراقي …في ظل التهديدات والمخاطر والتحديات” والمنشورة في العدد الاخير من مجلة الرواق الصادرة عن “مركز رواق بغداد للدراسات” حيث تناولنا الأنواع الثلاثة من مصادر التهديد التي تواجه الدولة العراقية وهي التهديدات والمخاطر و التحديات.

تفاصيل:

 

تقوم الرؤية الأمنية العراقية كما أي دولة على رسم ملامح بيئتها التي تنبع من المعرفة العميقة بالإمكانات الذاتية وبمصادر التهديد القائمة والمتوقعة التي تحيط بالدولة العراقية، ( ) فالبيئة الاستراتيجية تتكون من حقائق وسياق احداث وظروف وعلاقات وتهديدات وفرص وتفاعلات تؤثر في نجاح الدولة في علاقتها مع
ولا يمكن التفكير باستراتيجية للأمن القومي بدون تحديد مصادر التهديد، والبدء بإجراءات امنية متوافقة مع المخاطر أو التهديدات الأمنية الفعلية أو المحتملة، فقد ارتبط الامن بالبقاء حسب راي هنري كيسنجر، وبالتنمية حسب روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ( ) لكن الأهم هو ارتباطه بتحديد مصادر التهديد، وقد حدد باري بوزان هذه الملامح عندما عرف الامن بانه “العمل على التحرر من التهديد”. ( )
وبعد نهاية الحرب الباردة وما رافقها من تطورات تحت سقف العولمة، حصل تطور في مفهوم الامن القومي، فالقوة لم تعد ترتبط بالعامل العسكري بل تجاوزته إلى مديات أوسع باتجاه السياسة والتكنولوجيا والتعليم، والنمو الاقتصادي واعتماد المعلومات، ( ) لكن التهديدات تعاظمت واختلفت وتنوعت، وسنتناول في هذه الدراسة الأنواع الثلاثة من مصادر التهديد التي تواجه الدولة العراقية وهي التهديدات والمخاطر والتحديات.

أولا: التهديدات
التهديد من مفهومه الاستراتيجي، هو وصول تعارض المصالح والغايات القومية إلي مرحلة يتعذر معها إيجاد حل سلمي يوفر للدولة الحد الأدنى من أمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري مع عدم قدرة الدولة علي موازنة الضغوط الخارجية ( ) ويمكن ان تحديد التهديدات التي تواجه العراق بالآتي:

1. تهديد الجماعات الإرهابية:
يعد العراق اليوم أكثر الدول تضرّراً من الإرهاب حسب تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 Global Terrorism Index الصادر عن معهد العلوم الاقتصادية والسلم السويدي IEP بتسجيل 833 هجوما إرهابيا تعرض له العراق عام 2021 وهو الأعلى من أي بلد آخر.( )

فمازال تنظيم داعش الإرهابي يهدد الامن القومي العراقي بما يشكله من خطر كبير ومن المتوقع ان يقوم التنظيم رغم ما يتعرض له من ضربات بتجديد أساليب عمله، ويلجأ الى تكتيكات مختلفة، فالمعروف عن التنظيمات الإرهابية انها تجدد اساليبها واستراتيجيتها لذا يستوجب الانتباه واليقظة وتجديد الخطط ومضاعفة العمل الاستخباري لإجهاض محاولات إعادة التواصل بين العصابات الإرهابية وحواضنها.

2. التهديدات السيبرانية: وهي التهديدات الناتجة عن وجود هشاشة داخل الفضاء الإلكتروني للعراق تمس هياكل البنى التحتية المعلوماتية الأساسية، وعلاوة على ذلك، فإن التهديدات يمكن أن تستغل الثغرات الحالية الموجودة وبشكل يؤثر على سلامة وأمن نظام المعلومات أو شبكات المعلومات أو البنى التحتية للشبكات، ( ) كما ان شيوع افشاء اسرار الدولة ووثائقها الرسمية يعد من المخاطر التي تتحول الى تهديدات لأمن الدولة خلال المستقبل القريب.

3. تهديد دول الجوار: يشكل سباق التسلح لدى دول جوار العراق والصراع بين القوى الكبرى في المنطقة اهم المخاطر التي تواجه الامن القومي العراقي، إضافة الى الأوضاع الأمنية في سوريا والتوغل التركي في شمال العراق، والصراع الإيراني السعودي، والتطبيع مع إسرائيل، وكما ظهرت مشكلة المياه بين العراق وتركيا وسوريا، هذه التهديدات تستوجب من العراق حسم الملفات العالقة مع دول الجوار وضبط حدوده معها والتنسيق بين الخارجية والمخابرات والمؤسسات الأمنية الأخرى في إدارة اكثر الملفات حساسية.

4. الوجود الأجنبي: وهو تهديد يتعلق بالتواجد او الوجود الأجنبي في العراق سواء وجود القواعد الامريكية او الشركات الأمنية الاجنبية او المنظمات الأجنبية او المستشارين الأمنيين او العمال الاسيويين والافارقة او الصحفيين الأجانب، سواء المقيمين في إقليم كردستان او بغداد وسائر مناطق العراق.

ثانيا: المخاطر أو المخاوف:
هي الاحتمالات للعدائيات المستقبلية التي لم تتبلور بعد إلى تهديد أي مع مضي الوقت يمكن أن تتحول إلى تهديد، ( ) وأن الخطر معلوم المصدر ويمكن التنبؤ بتوقيت وقوعه، بينما يكون التهديد مجهول المصدر وتوقيت الوقوع، ( ) وتنقسم المخاطر التي تهدد الامن القومي العراقي الى:

1. مخاطر تغيّر المناخ
يشكل تعيير المناخ خطرا محتملا يهدد بالجفاف والتصحر وتقلص رقعة المناطق الصالحة للزراعة ومن المتوقع ان العراق سيكون من أكثر الدول تأثرا بالتغيرات المناخية في المستقبل، وتأثيراته ستطال قطاع المياه والاستقرار السياسي والاوضاع الاقتصادية، الامر الذي يتطلب من الحكومة وقطاعاتها المهنية بالعمل الجاد لخلق فرص جديدة في مجال التصنيع المستدام وتجديد بناء البنى التحتية وتوجيه الاستثمار الخاص نحو البيئة، بهدف المضي قدما ومواكبة الجهود الدولية في هذا المضمار.

2. مخاطر النازحين
نزحَ أكثر من 6 ملايين عراقي من ديارهم نتيجة العمليات الإرهابية والحرب التي رافقت ظهور تنظيم داعش الإرهابي، وبعد سنوات من انتهاء الحرب على داعش، عادت مئات الآلاف من الأسر الى ديارها، وحسب حسب منظمة الهجرة الدولية، لايزال ما يقدر بنحو 1.2 مليون شخص في حالة نزوح، ويعيش حوالي 103,000 نازح في 477 موقعاً غير رسمي ، وهي مواقع خارج المخيمات الرسمية التي لم يتم دمجها في المجتمعات المحيطة،( ) لذلك تشكل قضية النازحين جملة من المخاطر المحتملة على الامن القومي العراقي مالم يتم العمل على إيجاد الحلول السريعة لها.

3. عوائل الدواعش
تشير الإحصاءات الى أكثر من 100 ألف شخص محتجزين في العراق كونهم ينتمون الى “عوائل الدواعش”( ) داخل مخيم الجدعة ناهيك عن ويوجد نحو 30 الف عراقي في مخيم الهول السوري، وتقول تقارير دولية ان وضع أُسر التنظيم مع عدد كبير من اللاجئين العراقيين والسوريين معًا في مخيم “الهول” في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا هو اكبر الأخطاء الفاتحة التي ارتكبت بعد هزيمة التنظيم.

4. الانحرافات والاباطيل والأفكار الهدامة
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي اخذت الاباطيل الدينية والأفكار المنحرفة بالانتشار لتحقيق اكثر من هدف، في مقدمتها خلق فجوة بين الدين والمجتمع واستغلال الدين لتحقيق اهداف ومارب غير دينية، وما انتشار الأفكار التكفيرية والداعشية والالحادية والانحرافات الأخرى بدون معادل موضوعي، الا عناصر متكاملة ناتجة من تراجع القيم الأخلاقية والدينية نتيجة التشويه المتعمد وضعف التأثير من قبل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، كما يعاني العراق من اختراقات إعلامية وثقافية وفكرية من خلال الفوضى الإعلامية والثقافية وانتشار الفضائيات الموجهة والممولة من دول مجاورة واجنبية، الخطير في الامر هو تمكنها من كسب ثقة الجمهور العراقي.

5. الشعبوية وقوى الشارع:
نتيجة احباط الشارع من أداء القوى السياسية وضعف الحكومات وانتشار الأفكار السلبية تبلور نمط من التفكير المعادي للنخبة والساعي للقضاء على كل الأحزاب والقوى السياسية وعدم احترام الدستور والقوانين، وهناك دعوات صريحة للثورة العارمة والقضاء على السياسيين او الخلاص منهم بشكل او بآخر وتحميلهم مسؤولية كل مايحصل للبلاد، وهذا توجه خطير في التفكير هناك من يروج له ويستثمره ويشجع الجيل الجديد على انتهاجه مما يثير الفوضى ويضعف الدولة ويعقد المشهد الامني.

6. المهاجرون واللاجئون العراقيون في الخارج:
لا توجد إحصائيات دقيقة ومركزية بأعداد اللاجئين العراقيين في الخارج، لكنهم قبل 2003 كانوا لا يتجاوزون مليونين، ويضاف إليهم نحو 3 ملايين منذ عام 2014، وكلها أعداد تقريبية، ويعيش معظم اللاجئين العراقيين اليوم في ظروف أقل ما يقال عنها إنها قاسية لأن الحرمان والجوع والحاجة هي أبرز صفات هذه الظروف التي يعيشونها في بلدان مختلفة، ( ) مع غياب قاعدة بيانات دقيقة عن أوضاع ملايين العراقيين المنتشرين في عشرات دول العالم، وضعف أدوات التواصل معهم في دول الشتات، سيشجع على ان يتحولوا الى قنبلة موقوتة او أداة سياسية بيد دول أخرى خلال السنوات المقبلة.

7. ارتفاع نسبة الفقر
بلغت نسبة الفقر في العراق مستويات غير مسبوقة حيث تقول تقارير وزارة التخطيط ان نسبة الفقر بلغت 25% أي ربع الشعب العراقي، حيث قدرت الوزارة عدد الذين تحت خط الفقر في العراق بلغ 11 مليونا و400 ألف فرد، ( ) وهذه المؤشرات تدل على خطر حقيق يستوجب المعالجة حيث ان انخفاض المستوى المعيشي يتسبب بآثار اقتصادية واجتماعية ونفسية يستوجب تداركها.

ثالثا: التحديات
هي المصاعب التي تواجه الدولة وتحد من معدل نموها وتشكل حجر عثرة أمام تقدمها وتحاول كل دولة جاهدة أن تضع السياسات وتستخدم الأساليب المناسبة للتغلب على هذه المصاعب والتي قد تختلف بالطبع من دولة لأخرى، ( ) ويمكن تقسيم التحديات التي تواجه الامن القومي العراقي الى:

1. التحدي الجيوبولتيكي
كلما زاد عدد الدول المجاورة لدولة ما كلما زادت الأعباء الملقاة على عاتقها، لقاء تحملها مسؤولية إدارة شؤون الجوار مع هذه الدول المتباينة سياسية واقتصادية واجتماعية، لذا فان العراق يتحمل أعباء كبيرة في إدارة علاقته مع الدول المجاورة له اذ يبلغ عدد دول الجوار للعراق ستة دول،( ) اذ عاش العراق منذ تأسيس دولته الحديثة في وضع جيوسياسي غير مستقر بسبب افتقاره الى العمق الاستراتيجي والجغرافي، ولذلك تسبب محيط العراق على الدوام بإدخال العلاقات العراقية مع دول الجوار في ميدان التنافس الدائم، والصراع شبه المستمر، والحروب العسكرية،( ) ومن الضروري ان تأخذ استراتيجية الامن القومي العراقية قضية الردع عبر التحالفات الاستراتيجية مع الدول الكبرى او العمل على بناء القوات المسلحة بالشكل الذي يعادل غبن الجغرافية السياسية الذي لازم العراق.

2. التحدي الفكري والثقافي
لم ينتج العراق أسس فكرية لهوية وطنية جامعة تمتلك عوامل الديمومة والاستمرار، خلال الحقب التي تعاقبت على قيادته، بل تميز العراق بكونه ساحة صراع بين الفكر القومي والماركسي قبل ظهور وصعود التيارات الإسلامية بمدارسها المختلفة، والتي تصدرت المشهد الفكري منذ عقد السبعينات، واليوم تتصارع مع نفسها دون ان نخرج بمشروع نهضوي يعزز هويتنا الوطنية، الامر الذي فسح المجال لأشخاص طامحين وقوى خارجية ومشاهير لايهام الناس بانهم من يمثل المشروع النهضوي الوطني.

3. التحدي السياسي والأمني
لم تسفر العملية السياسية في العراق على انتاج دولة قوية، ولم تتحول الديموقراطية العراقية الى عامل قوة يمكن العراق من استعادة دوره الريادي الذي مارسه أيام الحقبة الملكية وفي فترات متفرقة من الحقب الجمهورية، ففي الوقت الذي أكسبت الديموقراطية شيء من المرونة للنظام السياسي، أسهمت في اضعاف الدولة، وتمكين دول الجوار من التغلغل في مفاصلها والتأثير على قرارها السياسي من خلال بعض التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والمؤسسات والجمعيات الخيرية، وفي نفس الوقت تعاظم نفوذ جماعات الضغط والراي العام على القرار السياسي، مع غياب تسور مشترك لتحديد الغدو والصديق في السياسة الخارجية.

4. التحدي الاجتماعي
اخقت الدولة العراقية في ان تتبنى مشروع للاندماج المجتمعي يزيل الحواجز النفسية في التركيبة الاثنية للعراق، وخلال الحقبة الديموقراطية بغد 2003 أسهم الدستور وتقاليد العمل السياسي في ترسيخ مفهوم المكون الامر الذي تسبب في تفتيت المجتمع وتكريس الطائفية والقومية بل وأحيانا ترسيخ الصراعات الاثنية بين المكونات.

5. التحدي الاقتصادي والمالي
تحول العراق من الاقتصاد الرأسمالي الى الاشتراكي بعد قيام الجمهورية عام 1958 وتم سن قوانين الإصلاح الزراعي وإعادة النظر في قوانين ملكية الأراضي الزراعية ومحاولة تأسيس قاعدة صناعية تمولها وتديرها الدولة ولم يكتب النجاح لهذه المشاريع التي انتهت بعد دخول العراق ثلاث حروب متتالية، منذ عام 1980 لغاية 2003، وبعد ذلك عجز العراق عن الخروج من الاقتصاد الريعي ومن رأسمالية الدولة مثلما عجز عن بناء رأسمالية وطنية ناجحة، ناهيك عن هروب راس المال الوطني الى دول أخرى وتعاظم اخطار الفساد وجرائم غسيل الأموال والجرائم الاقتصادية الاخرى.

الخاتمة
ان نجاح أي إستراتيجية للأمن القومي العراقي لا يمكن ان يتم الا إذا وقفت على حقيقة مصادر التهديد داخليا وخارجيا، ولايمكن الاكتفاء بالإشارة اليها فقط، انما العمل لإيجاد معادل موضوعي للحد من خطورة التهديدات والمخاطر والتحديات في بلد يعاني من غبن الجغرافية السياسية ووهن الجيوبولتيك وضعف الدولة وعزلة الطبقة السياسية وفوضى الفضاء الإعلامي وانهيار منظومة القيم وضعف القانون وتنامي قوة جماعات الضغط على حساب الدولة.

اذن لابد من إيجاد استراتيجية تبحث عن مواطن القوة لتعزيزها وعن نقاط الضعف لتجاوزها ومعالجتها، فالأمن في مجمله مفهوم وقائي يشمل جميع مرافق الحياة، يقوم على استباق الاخطار قبل وقوعها لا انتظارها ثم التحرك كرد فعل يكون فيه زمام المبادرة بيد للخصوم والاعداء والمنافسين.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.