المسلة

المسلة الحدث كما حدث

سيرة وموقف

سيرة وموقف

12 يوليو، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

رياض الفرطوسي

بعد اكثر من 35 سنة من الكتابة والعمل الصحفي تخللتها هجرة ورحلة طويلة بحثا عن الخلاص والحرية بدأت في منتصف الثمانينيات من العراق الى ايران عبر كردستان مشيا على الاقدام ثم الى سوريا ولبنان وانتهت في هولندا.

وواجهت خلال هذه الرحلة معارك (خنادق حرب) ومواقف وتحديات وعذابات وقلق وانتظار ‘ وصراع افكار وقناعات ‘ وخلال كل هذا الترحال والتنقل كان يباغتني شجن العراق ويعن في راسي موال مذبوح وحزن ازلي يأكل ويشرب معي حتى هذه اللحظة . ساعيا ومحاولا ان لا تتحنط في راسي الاوهام والاحداث وكنت تواقا الى الاكتشاف والسفر والتغيير ‘ كان يرافقني في كل تلكم الرحلة شي اسمه العراق ولم يكن الامر بحاجة الى دعاية او نظرية او فلسفة او نشيد او اعلان من اجل ان اقوم بدوري كما فعل غيري حينما يتعلق الامر في الدفاع عن حياة الناس ورسم مستقبلهم. عملت في المعارضة العراقية طوال تلك المدة وقاتلت من اجل الحرية والانسان بوسائل مختلفة كان في مقدمتها الفكر والمعرفة والكشف والمراجعة وكنت من خلال ذلك لا اصنع لي تاريخا مزورا ( كما يفعل اي راقص سياسي ) وهو يصنع له تاريخا مزيفا من الاطراء والمجاملات على طاولات المقايضات والسهرات وعلب الكوكولا والبيبسي.

لم اجد ان ما قمت به كان شيئا خارقا بل كان محاولة دافعت من خلالها عن تجربتي وحريتي وخياراتي كما يفعل اي طائر وهو يحاول ان يكتشف عوالم جديدة ومختلفة. جعل الطاغية صدام المجتمع العراقي مجتمعا بلا حداثة او تطورات او تنمية بشرية وحول العراق الى سجن كبير اضافة الى المعتقلات في كل مكان لذلك اصبح المجتمع يفتقر الى الاختيار والمغامرة وقد تقلص الابداع والكفاءة واصبح المقياس على الصيت والجاه والسمعة والتكرار . لنكتشف لاحقا ان البعض كان قد تعايش مع قناعاته السابقة فأصبح يحمل في داخله سجنا وملفات ونزعات من تصفية الحسابات والعواطف المتناقضة. حتى اصبح الميل لكل ما هو جاهز ومعلب ‘ فانتشرت الوصفات الجاهزة وكثر الخداع والغش في كل شي . وانقلبت المعايير والادوار بحيث يمكن لاي شخص بسيط التعليم والمظهر من ان يمارس الاحتيال والدهاء بحرفية نادرة. وسرعان ما قفزت هكذا نماذج الى المشهد السياسي ونقلت خبرتها الاحتيالية والبهلوانية الى هناك وصارت محترفة بتسويق اي حدث عابر لتفرضه على العامة بل ان الاخطر من ذلك هو تحويل الاوهام الى حقائق من خلال التكرار ( لكنك تحتاج الى عبقرية فريدة لتجعلها تبدو عكس ذلك ). يقول الناقد الفرنسي ( فانسان جوف ) مؤلف كتاب تقنيات النقد : الكاتب من اللحظة التي حمل فيها القلم يدخل في منفى . القلم الحر هو الذي يشخص ويعاين وخاصة في المنعطفات الكبرى والحساسة لانه يمتلك قدرة التوقع والتحليل والكشف والتحذير مما قد يحصل . لكن مع وجود حراس الماضي والحاضر ممن يحجزون المكان والزمان في كل حقبة تبدأ تشعر بالنفي والغربة . لانه بالعادة غير مسموح لك ان تبدي فكرة او وجهة نظر او رؤية في عالم التدافع والارتزاق والنفاق والاستعراضات حيث حشود من الانتهازيين والمتحذلقين . ليس هناك اسوء من ان يُحاصر الكاتب بقطيع من المزورين والمتخلفين.وكل هذه الفوضى تقوم على جعل الجميع يتساوون في القبح لكي تضيع المقاييس وتصبح بوصلة الطريق والاتجاه غامضة .اليوم نحن احوج ما نكون الى سكة نظيفة وقطار وبوصلة وعقل حكيم لكي لا نتيه من جديد.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author