بغداد/المسلة:
ابراهيم العبادي
منذ عام 1923 ووارثو دولة السلطان العثماني (علمانيين واسلاميين) لم يتعودوا على رؤية الدول الجديدة (الممتلكات القديمة) التي خرجت من عباءة السلطان ، لديها سيادة ينبغي احترامها وعندها مشكلات تحتاج تعاونا وتفهما من (الشقيق الاكبر) مثلما لدى هذا الشقيق مصالح كبرى يريد تحقيقها شرط ان يتذكر ان الطريق الى تحقيق مصالحه هوالتعاون وأحترام الحقوق والمواثيق والمعاهدات .غير ان صانع السياسات في سراي أنقرة صار اكثر اعتمادا على منطق القوة منه الى منطق التعاون المشترك ،فقد صارت سياسة العمق الستراتيجي التي نظّر لها ا(حمد داود اوغلو)أفضل اداة لخدمة سياسة التوغل العسكري وبحجة مكافحة الارهاب وحماية الامن القومي والدفاع عن حياض العمق الستراتيجي ،سنوات طويلة والجار التركي يدفع باتجاه محاربة التمرد الداخلي خارج أراضيه، ليقول ان مشكلته الامنية والسياسية مع الجناح العسكري للقومية الكردية تحسم مع الحواضن الاجتماعية والسياسية خارج حدود الجمهورية التركية وداخل حدود السلطنة العثمانية ،وفق هذه الرؤية كان مثيرا ان يزرع الجيش التركي اكثر من 40 نقطة عسكرية في شمال العراق دون ان تثير لديه تساؤلات عن سيادة وحقوق وأمن الجار العراقي ،طبعا المشكلة لايتحملها الاتراك وحدهم فهم دولة صاعدة تستفيد من كل الثوابت والمتغيرات في العلاقات الدولية للعودة الى منصة الدول المحورية المؤثرة جدا ،نصف المشكلة تتحملها الدولة الهشة سواء في العراق او سوريا اوغيرها من مقاطعات السلطان السابقة والسبب هو الضعف الداخلي ولاشيء اخر.
يعجزالعراق (الذي يستورد 8 بالمائة من كل صادرات تركيا ،ويستثمر فيها المليارات على مدى سنين ، عن توظيف ادواته وامكاناته ليقيم علاقة متوازنة مع تركيا يجعلها تتراجع عن سياسة الاخذ بلا مقابل ،تركيا تاخذ من العراق دون ان تقايض ماتأخذ ،وماذاك الا بسبب الوهن العراقي ،والوهن العراقي له اسبابه الظاهرة والباطنة ،بعضها قديم وبعضها جديد ،القديم منها تعامل معها سياسي ماكر يجيد لغة الحسابات الواقعية هو نوري السعيد فصنع من الضعف قوة باتفاقيات صداقة وتعاون وحسن جوار وتنسيق في1926 وفي 1946 ثم في تشكيله حلف بغداد في عام 1955 ،حمى بذلك سيادة الدولة الناشئة، وادخل الجيران الاقوياء في مظلة حماية وامن لئلا يعبثوا بمصالح العراق وشأنه الداخلي وامنه واستقراره.
وارثو الفكر اليساري القومي والعروبي والاسلامي الحديث في العراق ،لم ينجحوا في صناعة مركب الامن والسيادة والمصالح المتبادلة مع الجيران ،لانهم جاءوا من خلفيات تسدد (ديونا ) لهولاء الجيران ،فالذين يتذكرون (جميل) تركيا وخدماتها صاروا لايستطيعون دعم سياسة او موقف او قرار سياسي أو اقتصادي أو امني سواء في الحكومة او في مجلس النواب او في الاعلام لاترتاح له انقرة وتراه مضرا بمصالحها ،والذين يتذكرون جميل ايران يفعلون نفس الشيء ،ومثلهم القومي الذي مازال يتذكر العمق العربي وجميل الرياض أو القاهرة ولاحقا ابوظبي ،المنسي في كل ذلك العمق الوطني العراقي ،مصالح العراق الوطنية ،سيادته وامنه ومياهه واقتصاده ،لنا ان نعترف ان سياسة العلاقات المتوازنة لم تحقق للعراق كثيرا وهي وان كانت محور الامن الوطني العراقي لكنها مازالت بلا مردودات على العراق بسبب اهتزاز المعادلة الداخلية ،الجيران لايتعاملون مع العراق الدولة ،بل يتعاملون مع مكونات تبحث عن عمق شيعي مع ايران وسني مع تركيا وعروبي مع العرب ،ومعادلة كهذه اضعف من ان تدفع عن العراق عدوانا او انتهاكا للسيادة والمصالح ،افضل مالدى العراقيين هو الانفعال والغضب والشكوى التي صارت عنوانا لوطنية متأخرة ،وفرصة للمناكفة الحزبية والاعلامية ،لماذا لايستطيع العراق حل مشكلاته مع جيرانه من الاشقاء والاصدقاء ليعيش متفرغا لهموم الحاضر والمستقبل ؟ السبب الظاهر هو فقدان الارادة والقدرةعلى الفعل ،والسبب الباطن هوتغليب مصالح المكونات على مصالح الوطن ،الدافع الذي يجعل الاتراك لايقيمون وزنا لكل صوت عراقي محتج هو علمهم ان الاحتجاج فعل صوتي فحسب وليس عمليا ،كلنا يتذكر كيف كان السفير التركي السابق فاتح يلدزيدور على تجار العراق وغرف التجارة يطالب بالضغط على الحكومة للتراجع عن قرار منع دخول منتجات الدواجن التركية الى العراق ،يومها كادت خمس شركات كبرى جنوب الاناضول تعلن افلاسها ،فضغطت تركيا عبر اذرع ومافيات التجارة والاستيراد العراقية المرتبطة بها لفتح الابواب امام صناعة الدواجن التركية ليخسر العراق قطاعا اقتصاديا واعدا ،الامر ذاته حصل في الاشهر الماضية بدعوى ارتفاع الاسعار وتوفير الامن الغذائي للعراقيين وكانت النتيجة خسارة 3000 الاف مشروع دواجن في العراق، باعتراف وزير الزراعة وارتفاع جنوني في المستوردات من تركيا التي ربحت من صادرات البيض والدجاج وحدها نصف مليار دولار ومن الصادرات الزراعية للعراق اكثر من ثلاثة ارباع المليار.
تركيا تتذرع بوجود حزب العمال الكردستاني pkk,ووحدات الدفاع الكردية ypj التي صار لها فرع ايزيدي في سنجار ،وتتذرع تركيا بمعلومات من متعاونين اكراد معها بان فصائل عراقية مسلحة اقامت علاقات مع ال pkk وتدفع للبعض المرتبطين به اموالا ودعما لوجستيا ،ولذلك تعرض تركيا عن كل احتجاج ،واذا اضطرت للحديث العلني تقول بلسان المعاتب نحن نملك نفوذا عسكريا محدودا للدفاع عن امننا ضد هجمات حزب العمال ،ولكن لماذا لاتتحدثون عن النفوذ الايراني المتغلغل في كل زاوية ،قالها لنا ذلك الصديق الدكتور احمد اويصال استاذالاجتماع السياسي وعضو الحزب الحاكم والملحق الثقافي السابق في القاهرة ايام محمد مرسي والرئيس الحالي لمركز دراسات الشرق الاوسط(اورسام )المركز الذي يعمل فيه زملاء عراقيون عديدون ،قال اويصال ذلك بصراحة ونحن نعقد مع الاشقاء الاتراك ورشة عمل لمناقشة العلاقات العراقية التركية الايرانية .عادت انقرة وذكرتنا ان الحرب على الارهاب واحدة فلماذا تجزأًون هذه الحرب وتستثنون حزب العمال ،طبعا لانستطيع الدفاع بالقول اننا نحاول التذاكي باستخدام ورقة البككه لموازنة الاندفاع التركي في سوريا (حليفنا في محور المقاومة ) أو لان هناك من يهمس في اذاننا بالابقاء على هذه الورقةخوفا من استدارة غير متوقعة من الرئيس اردوغان الذي تعود ان يعاملنا بأبوية مشفقة حتى انه يتدخل لاصلاح هيئات مسؤولينا الذاهبين للسلام عليه في السراي الحكومي.
ايضا لانستطيع القول بان مصلحة بعض شركاء السلطة في العراق تمنعنا من طرد حزب العمال الكردستاني من العراق لان الاتحاد الوطني الكردستاني وحتى الحزب الديمقراطي يرفضان الضغط على ابناء عمومتهم المطالبين بالحقوق القومية للكرد في الحدود القديمة والجديدة لدولة السلطان العثماني ،يوم اردنا اخراج منافقي ايران (مجاهدي خلق )من العراق استجابت لنا امريكا والامم المتحدة ،والان تستطيع طهران ان تحدد منابع التهديد لها داخل العراق فتدمرها بصواريخ باليستية ومسيرات يطيرها عراقيون نيابة عنها ،وتستطيع اشباح اسرائيلية استهداف مواقع عراقية ومعسكرات لانها اذرع ايرانية بزعمهم وماذلك الا بسبب التهريج الاعلامي والادعاءات التي تريد تحرير القدس قبل حماية المراكز الحيوية العراقية والمواطنين العراقيين ،وهكذا تستمر العجلة المهزوزة بالدوران ليجد المسؤول العراقي نفسه مضطرا لمجاراة راي عام غاضب يتهمهم بالضعف والتفريط بهيبة وسيادة العراق.
خلاصة الكلام صار العراق أرضا سهلة تطأها اقدام (الغرباء) لان اهله بلا رؤية ولا مبدأ وطني عام يوحدهم ،وجيراننا من اشقاء العقيدة والقومية والمذاهب والعشائر يتعاملون معنا بصفتنا (شقيق اصغر) يحتاج الى وصاية وتدريب ليتعلم كيف يوازن مصالحه مع اشقائه الكبار.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
ترامب: سأوقف الفوضى في الشرق الأوسط والحرب بأوكرانيا
محافظ المثنى يكشف عن فتح مقبرة جماعية: أكثر الجماجم لأطفال صغار
البطالة القانونية: عندما تتحول العدالة إلى أزمة مهنية