المسلة

المسلة الحدث كما حدث

العراق والقضية الفلسطينية الكلفة المضاعفة

العراق والقضية الفلسطينية الكلفة المضاعفة

30 أكتوبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

ابراهيم العبادي

ثلاثة اتجاهات تقاسمت الموقف من القضية الفلسطينية،الاول الاتجاه الوطني والثاني الاتجاه القومي والثالث الاتجاه الديني ،رسميا انتهت اغلب الحكومات والدول العربية والاسلامية الى التعامل مع قضية فلسطين بوصفها مشكلة وازمة ثنائية ينبغي ان تترك للفلسطينيين انفسهم ،فهم اصحاب الشأن والمصلحة والمصير ،ومامسؤولية الاخرين سوى المساندة والدعم ماامكنهم الدعم والمساندة لدواع انسانية او جيوستراتيجية ،الدول التي اقتنعت بالتطبيع الكامل ارادت الخلاص من تبعات هذا الصداع السياسي العسكري الامني لتتفرغ لشؤونها الخاصة غير آبهة بسيل الاتهامات والتخوين والشتائم ،ورائدها في ذلك مقولة الرئيس المصري انور السادات التي اعلنها بعد حرب تشرين /اكتوبر عام 1973،(انه غير قادر على محاربة امريكا ،وان 99 من اوراق الحل هي بيد امريكا ) وامريكا كما هو معروف تعاملت مع دولة الاحتلال بوصفها البنت المدللة التي تحظى بضمانات الامن والدفاع والحماية كونها مصلحة امن قومي امريكي غير مختلف عليه مطلقا .

الاتجاه الثاني : تبنى قضية فلسطين من منظور قومي واعتبر انشاء الدولة اليهودية مشروعا استعماريا لتهديد الوحدة والوجود والازدهار العربي ،وان قيام وتاسيس (اسرائيل ) في قلب العالم العربي انما لتمزيق العرب وتهديد دولهم (القطرية) واشغالهم في حروب استنزاف لتدمير نهضتهم التي ستنتهي بالوحدة القومية !!!!!! ،ولان الانقسامات العربية اطاحت بالفكر القومي والرؤية السياسية والاستراتيجية القومية فقد انتهت قضية فلسطين عند بعض الحكام والانظمة العربية والاحزاب القومية العربية الى سمسرة وتجارة ،لنيل المشروعية والدعاية السياسية واداة من ادوات الهيمنة على خيارات الشعوب والاستبداد بقرارها ،النموذج الابرز لذلك بعد تجربة عبدالناصر هو صدام حسين الذي اسهم بالقسط الاكبر في تدمير القضية الفلسطينية تاركا للجمهور البائس الباحث عن الرجولة الاعلامية والاستعراضات الصوتية والخطابات المعنعنة ،الهتاف بالشارع والصراخ امام السفارات وحمل صور (الزعيم القائد )،عمليا لم تكسب القضية من التدخلات والوصايات القومية الا حروبا داخلية فلسطينية، واخرى بين العرب (،حرب المخيمات في الاردن 1970،حرب لبنان الاهلية 1975،حرب الكويت 1990 )وحروبا بين المسلمين (الحرب العراقية الايرانية 1980 )،فخسرت قضية فلسطين امكانات العرب والمسلمين، وتمزقت وحدة المواقف والرؤية، وازدحمت المشاريع السياسية الساعية الى الاستثمار في القضية الفلسطينية ، لينتهي هذا الفصل بخروج منظمة التحرير من لبنان 1982 وليصل المسار الى اتفاقيات اوسلو عام 1993 كخيار فلسطيني وطني مندفع الى تاسيس السلطة الفلسطينية عام 1994،حيث عادت منظمة التحرير من المنفى الى رام الله ،مع اقرار كامل بحل الدولتين وحق اسرائيل في الوجود وفقا لقرارات مجلس الامن والامم المتحدة !!!!.

بصعود الاتجاه الاسلامي ودخول الجمهورية الاسلامية على خط القضية الفلسطينية ،ارتفع الصوت الرافض للحلول السياسية،بدون ان تقدم القوى الاسلامية مجتمعة رؤية سياسية للحل ،بل رؤية عقائدية تتضمن التاكيد على ان فلسطين ارض اسلامية ولابد من تحريرها والصلاة في القدس وفق برنامج جهادي تعبوي ،اما كيف ؟ومتى ؟وماهو البرنامج السياسي الذي يُقنع كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم بهذا الحل ،فذلك لم يًُجب عنه تفصيلا حتى الساعة ،وصار التثقيف يعتمد مقولة التكليف والواجب الشرعي ،اما مستلزماته ومقتضياته ،فبقي مسكوتا عنه او مغلفا بالرؤية الدينية فحسب ، دونما تعضيد برؤية سياسية معقولة قابلة للترويج والاقناع ،بل العكس كان صحيحا (ازالة اسرائيل من الوجود ) والشعار الضمني هو ان الحرب من اجل تحرير فلسطين هي حرب وجود لا حرب حدود ،وان هوية الصراع هي هوية اسلامية دينية ،والحل الاخير يكون بسلطة اسلامية على ارض فلسطين وعودة المستوطنين اليهود من حيث اتوا ،ومن يريد العيش منهم في فلسطين فله ان يقبل المواطنة بشروطها تحت السلطة الاسلامية !!! .مقابل ذلك رفع اليهود الصهاينة مفهوم الامن والدفاع عن وجودهم الى مستوى الضرورة الدينية الحضارية المنتزعة من (العقل الاخلاقي !!!) الغربي .صرنا امام رؤية دينية اسلامية تقابل رؤية دينية (يهودية مسيحية) متبناة من التيار الاغلب من المسيحيين الصهاينة وليس كل المسيحيين او اليهود .وهذا مايفسر اندفاع معظم الغربيين غير المشروط لتإييد عدوانية اسرائيل دون ان يشعروا بتناقض انسانيتهم وشعاراتهم مع الابادة التي تحصل في غزة.

هذه الرؤى الانفة لها مناصروها بدرجات متفاوتة بحسب اتجاهات الشارعين العربي والاسلامي وماتزال محل نقاش وجدل كلما جد الجد على جزء من فلسطين التاريخية وماجاورها ، ذهب دهاة المشروع الصهيوني الى العمل المكثف لتثبيت مستقبل الدولة اليهودية والدفاع عنها باسلوب التفوق العلمي والعسكري والاستخباري والاقتصادي وتحويل الحلم الى نموذج مغري ،ومنع اي مشروع مضاد عبر آليتي الاجهاض والتدمير مثلما حدث في اكثر من دولة عربية او اسلامية ،تدمير امكانات مصر والعراق وسوريا وايران وتحويل الموقف الدولي الى معركة اخلاقية !!!!كبيرة للدفاع عن وجود اسرائيل وحقها في العيش بسلام !!!!!!؟.

نحن في العراق كنا الاكثر اندكاكا بقضية فلسطين دون غيرنا من العرب والمسلمين ،عشرات السنين والمزاج السياسي النخبوي والشعبي يتحرك في افق تلك القضية مستحضرا السبي البابلي لليهود بانتشاء وفخر ،القوميون والوطنيون العراقيون جعلوا قضية فلسطين (صدقا او متاجرة) قضيتهم الاولى ، وربطوا مصير العراق بمصير فلسطين ،الاسلاميون من السنة والشيعة ،يصرخون ليل نهار بالتعبئة لصالح معركة المقدسات في فلسطين ،في كل معركة وانتفاضة او حرب يجد العراقيون انفسهم صدى لواجبهم الشرعي والديني وتكليفهم السياسي ؟وفي كل هذه المعارك تحضر الانفعالات والعواطف وتتحرك المشاعر الغاضبة وتنفلت المواقف دونما حساب للغد وللجدوى العملية التي تفيد الفلسطيني وقضيته العادلة ،في حرب غزة الدائرة حاليا بمشاهدها المهولة ،يتسابق عراقيون كثر الى الموت اعتقادا منهم بان هذه الحرب هي الاخيرة ، وان ابواب المواجهة الشاملة قد فتحت ،فذهبوا الى المجازفة بكل شيء تحت ضغط الغضب من عدوانية وقسوة وصلافة ووقاحة كيان الاحتلال وداعميه الغربيين.

يحق للعراقيين ان يتضامنوا مع اشقائهم في فلسطين وان يساندوهم بكل مايستطيعون ،لكن المعركة طويلة ومضاعفاتها خطيرة ،فقد خسر العراق كثيرا بسبب مواقفه من قضية فلسطين ،تدمير العراق كان على خلفية الخوف من مشروع دولة ينهض في المنطقة ،افضل من يدمر الشعوب والبلدان وامكانات نهضتها( التي هي شرط المواجهة العملية للمشروع الصهيوني )،هم الحكام المستبدون والسياسات المتهورة والمواقف الانفعالية غير المدروسة ،حصل ذلك في العراق وانتهى الامر به الى دولة تلعق جراحها وتحاول الوقوف على اقدامها بصعوبة بالغة ،دخول الحرب جزئيا او كليا ،ليس استجابة عاطفية وتنفيسا لاحتقان او تسابقا في المواقف بين تيارات متنافسة، يبحث كل تيار او فصيل منها عن مايسجل به موقفا يحرج الاخرين ويفضح سياساتهم ونواياهم ،العراق القوي المستقر الناهض هو الدعم المجدي والمؤثر سياسيا وامنيا ودبلوماسيا وماليا لصالح قضية فلسطين ،استقرار العراق ينبغي ان يكون هدفا من اهداف المعركة الراهنة ،فاتساع نطاق الحرب وشيوع الفوضى السياسية والانهيارات الاقتصادية وتزايد اعداد النازحين والفقراء سيصبح رغبة وهدفا اسرائيليا على المدى القريب ، استغلالا للدعم الغربي غير المسبوق ،وضرب العراق استباقيا هدف غير مستبعد في جميع استراتيجيات الحرب الاسرائيلية.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.