المسلة

المسلة الحدث كما حدث

ليس بالمجسرات وحدها تُحل مشكلة الازدحام المروري

ليس بالمجسرات وحدها تُحل مشكلة الازدحام المروري

22 يونيو، 2024

بغداد/المسلة الحدث: كتب رئيس قسم هندسة العمارة في كلية الهندسة بجامعة الكوفة شبر منعم فلاح مقالا بعنوان: (انشاء المجسرات في مراكز بغداد والمحافظات).

في كل مرة ننشأ مجسر او نفق سيارات، نلاحظ تدهور المنطقة التجارية المحيطة بالتقاطع! , المجسرات وانفاق السيارات، تسرع حركة السيارات في الشوارع، و تصعب وقوفها، أليس ذلك هو الغرض من المجسرات؟نعم، فالمجسرات تبنى لتسهيل حركة السيارة وتقليل ازدحامات المرور.

على اية حال، الاثار الجانبية لهذه المجسرات ، تصعيب حركة المشاة في المكان، والنتيجة انخفاض ارباح المحال التجارية المحيطة، وهكذا تذبل حيوية المنطقة، وتموت مراكز المدن.

منذ كتاب جين جاكوبس (موت وحياة مدن امريكية كبرى) عام 1961 والى الان ، نفس المشكلة ونفس الحلول. لقد ناضلت هذه المرأة الشجاعة من اجل انقاذ مدينتها، نيويورك، من مجسرات وشوارع المصمم الكبير، روبرت موسس. رفعت صوتها بالمظاهرات، والمحاكم، والمؤلفات. وحسنا فعلت، اوقفت المشروع وانقذت مدينتها من الضرر الذي لحق باغلب المدن الامريكية الاخرى.

جادلت جاكوبس : لا يمكن ان تكون المدينة للسيارات المسرعة فقط! ولا يمكن ان تكون المدينة تحت سلطة مهندسي الطرق ومعادلاتهم الرياضية فقط.

المدينة هي مدينة، بامانها للمشاة، بظلال اشجارها، بحدائقها العامة، بأرصفتها الواسعة، بمواقف السيارات اليسيرة ، بمحلاتها الصغيرة، باستخداماتها المتنوعة، بعقدِّها التاريخية، حيث يلتقي الناس، ويتجول الباعة. هي مدينة بتوفيرها اماكن سهلة الوصول لأحتضان ناسها دون تمييز. اماكن للأطفال، النساء ، المسنين، الفقراء او الاغنياء على السواء.

لذلك، يتم تطوير المدن من مجموعة اختصاصات، على رأسهم المخطط الحضري، والمصمم الحضري، مهندسي البنى التحتية، في الكهرباء ، المجاري، الماء، تصريف مياه امطار، واكيدا مهندسي الطرق. كذلك مؤرخين، معماريين ، وربما اهم عضو، هم الممثلين عن المنطقة قيد التطوير، فهؤلاء هم الاعلم بالمشاكل الحقيقية.

الان، بسبب الازدحامات الخانقة، اصبحت السلطة كاملة بيد اختصاص هندسة الطرق! مع احترامي الكبير لهذا الاختصاص المهم، لكنه اختصاص يعالج جانب واحد فقط من المشكلة، وهكذا حلولهم تصبح غير شاملة.
بكلمات اخرى، هندسة الطرق، تحل مشكلة الازدحام، ولكنها من غير قصد، قد تقتل المنطقة المحيطة بالتقاطعات.

وهكذا يصبح السؤال، كيف نقلل الازدحامات اذن ؟ هل تبقي التقاطعات مثل ما هي، حتى نحافظ على روح المدينة؟
بالتأكيد لا، الازدحامات المرورية الخانقة ، في بغداد على الاقل، هي المشكلة الكبيرة الان، ولا بد من معالجتها.

على اية حال، المجسرات والانفاق، ليست هي الحلول الامثل للازدحامات المرورية. هناك حلول اخرى، مثلا، ابعاد سبب الازدحام من المنطقة ونقله الى مكان اخر. احيانا، يتم تقوية محاور حركة جديدة موازية للمحاور القديمة،. فتح شوارع حلقية خارج المدينة، لسحب الازدحام من المراكز. احيانا اخرى، يتم بناء مجسرات صغيرة تحل المشكلة جزئيا، فتخفف الازدحام الى حد مقبول، وتبقي على حيوية المكان بشكل معقول ايضا. احيانا قانون شديد يمنع التوقف على جوانب الطريق. احيانا اخرى يتم فرض رسوم لدخول المنطقة المزدحمة. و اكيدا تنشيط النقل العام يجب ان يكون الهاجس الدائم في معالجة ازمات المرور.

اضافة الى ما ذكر اعلاه، المجسرات تخفف الازدحام لمدة سنة او سنتين، بعد ذلك، يستسهل اصحاب السيارات الخاصة استخدام سياراتهم، فيعود الازدحام المروري مرة اخرى، ولكن في هذه المرة، خسارتنا ستكون مضاعفة. ماتت المنطقة تجاريا، وعادت الازدحامات.

خير شاهد على ذلك المجسرات المنتشرة وسط بغداد، او مجسرات ثورة العشرين في النجف ، اذ اصبحت ظاهرة ازدحامها طبيعية.

موضوع الازدحامات المرورية، موضوع معقد، ولا يمكن حله بتعريض الشارع وانشاء المجسرات. يجب ان تكون الحلول تراكمية تعاونية، قائمة على تنسيق بين القطاعات ذات العلاقة وتحت مظلة رؤية كاملة للمدينة.
النقطة في هذا المقال المختصر، سلطات المدينة، لا بد ان تتوقف وتفكر قليلا، قبل ان تتخذ قرارا ببناء مجسرا في وسط المدينة.

لا يمكن ان تتحكم معادلات هندسة الطرق وحدها بشكل المدينة، فهذه المعادلات وضعت لتسهيل حركة السيارة، فقط دون اي اعتبار لروح المكان.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.