المسلة

المسلة الحدث كما حدث

صفقة عشتار: عقد غير مشروع والحكومة ستحاسب الفاسدين بالقانون

صفقة عشتار: عقد غير مشروع والحكومة ستحاسب الفاسدين بالقانون

9 أغسطس، 2022

بغداد/المسلة: كشفت مصادر  على صلة بالفعاليات المصرفية في العراق، تفاصيل جديدة عن العقد بين مصرف الرافدين مع شركة محلية عراقية (بوابة عشتار)، وهو العقد الذي أثار لغطا واسعا، حول حقيقة تعويض الشركة مبلغ ستمائة مليون دولار.

ففي يوم 4 آذار 2021، وقّع مصرف الرافدين عقداً مع شركة محلية عراقية (بوابة عشتار) بشأن تنفيذ مشروع (خدمة الدفع الإلكتروني)، التي تضمنت من بين باقي التفاصيل نشر 10 آلاف ماكنة للدفع الإلكتروني (ATM)، وإصدار بطاقات إلكترونية للمودعين وخدمات أخرى.

لم يرجع مدير المصرف ولجنته للتأكد من رأي وزارة المالية، حسب الإجراءات القانونية الصحيحة. ودرست المالية تفاصيل العقد بعد اطلاعها عليه، فوجدت فيه إجحافاً واضحاً بحقوق المودعين ومصلحة الخزينة والمال العام، بل إنه عقد مُبيّت تماماً لأغراض غير مشروعة، فضلاً عن شبهات حول الشركة المحلية نفسه ومستوى أدائها.

ورفع وزير المالية الأمر بصورة عاجلة إلى رئيس مجلس الوزراء، وهو الرئيس الأعلى التنفيذي المسؤول عن السياسة العامة للدولة، وليس من واجباته أو واجبات مكتبه تدقيق كل عقد تبرمه إحدى مؤسسات الدولة العراقية.

وما كان من رئيس مجلس الوزراء إلّا أن وجّه وزير المالية بأن يمضي في حماية الأموال العامة وتطبيق القانون مهما كلّف الأمر، وأن يوقف هذه الرزية المالية التي مرّت مثل مؤامرة فاسدة تحت عنوان: (عقد خدمات).

ماذا فعل وزير المالية في إطار القانون؟

أوقف الوزير المدير العام للمصرف وعلّق صلاحيّاته، وأحاله إلى لجنة تحقيقية؛ ثم أحال العقد إلى الرقابة المعنية؛ كي تضع (بصورة قانونية لا انفعالية) النقاط التي يجحف فيها العقد بحق المال العام، ومنها فرض شرط جزائي (غير قانوني)، لو أن مصرف الرافدين أوقف العقد من طرف واحد.

لماذا كان الشرط الجزائي غير قانوني؟

لأنه يتجاوز (وفقاً لمفهوم القانون العراقي) سقف الضرر المحدث الذي يصيب الشركة (لو كان قد أصابها ضرر فعلي). يعني أن غرامة بمقدار 600 مليون دولار، هي أكبر بعشرات المرّات من أي ضرر قد يصيب شركة بوابة عشتار جرّاء إيقاف المصرف للعقد، الذي يعاني بالأصل من الاختلال القانوني.

ولأن النيّة مبيته، فقد لجأت شركة (بوابة عشتار) إلى القضاء، ووجهت في يوم 4 أيار إنذاراً لوزارة المالية وللمصرف بأنها ستطالب قضائياً بالشرط الجزائي (الـ600 مليون دولار).

وفي 3 آب، صدر التقرير الرقابي الذي يؤشر عشرات المواضع في العقد المذكور وهي تخالف مخالفة صريحة، تلعليمات البنك المركزي العراقي، وتعليمات وزارة المالية، وتضر بالأموال العامة وأموال المودعين ضرراً بالغاً.

لكن شركة بوابة عشتار مضت في دعواها، وصدر قرار من محكمة البداءة المختصة بالدعاوي التجارية في الرصافة، يقضي (وفقاً لنص العقد) لصالح الشركة المذكورة وأن يدفع مصرف الرافدين الغرامة الضخمة.

هل دفع المصرف الغرامة المذكورة؟

بالتأكيد لا، لأن هناك مرحلة أخرى هي الاستئناف، ورفع الدعوى الى مستوى قضائي أعلى من مستوى (محكمة تختص بالدعاوي التجارية)، باعتبار أن هناك شبه تعمّد مسبق النيّة بالإضرار بالمال العام، وإبرام عقد فيه إجحاف لمصلحة الأموال العامة وأموال المودعين، بل إنه يخالف مخالفة صريحة العشرات من التعليمات والقوانين والقرارات النافذة.

وقد بادر وزير المالية فوراً للقاء رئيس مجلس القضاء السيد فائق زيدان في السابع من شهر آب، ليضعه في تفاصيل الأمر، وقد وعد القاضي فائق زيدان بترتيب كل الإجراءات القانونية في محكمة التمييز لمنع الإجحاف بحق مصرف الرافدين وإيقاف الإجراءات المقررة من قبل محكمة البداءة.

صحيح أن التفاعل الشعبي مع مبلغ الغرامة الضخم أثار سخط الناس، وهم على حق بشأن ذلك، ولاسيما في الوقت الذي تخوض فيه الحكومة عملية جراحية دقيقة ومتعددة الوجوه والمواجهات مع الفاسدين، إلّا أن الطريق الأمثل لمواجهة هذه المشاكل هو بالتأكيد القانون، وقد نجحت الحكومة بالفعل بإيقاف انتهاك القانون ومنع استغلال موارد الدولة.

وسيتعيّن على الفاسدين الذين يقفون خلف هذا العقد، سواء كانوا من السياسيين أو أصحاب رؤوس الأموال المشبوهة أكثر بكثير من مجرّد دعوى قضائية يكسبون جولتها الأولى نتيجة التضليل وتعمّد التلاعب، وستكون هذه القضية فيصلاً واضحاً يعرف من خلاله الرأي العام مدى إصرار الحكومة على أن تنهي هذا الملف، لا على طريقة المواطن الكادح الغاضب بتعليق المتهمين في ساحة التحرير، إنما عن طريق فضح كل الاطراف المشتركة، كبرت أم صغرت حجومها.

في الحقيقة أن رئيس مجلس الوزراء ليس له في القانون أن (يعدم) مواطناً ولا محكوماً ولا حتى إرهابياً، تحت أي ظرف. أمّا مواجهة الفساد، فهي مواجهة أمنية وقانونية وتشريعية، تتطلب تصميماً وإرادة ودعم لسيادة القانون، قبل أن تحتاج إلى حبل يعلّق الفاسدين في ساحة التحرير، لأنه هذا هو “القانون”.

 

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.