المسلة

المسلة الحدث كما حدث

شيعة العراق… جدليات الانقسام والوحدة

29 أغسطس، 2022

بغداد/المسلة:

ابراهيم العبادي

يعبر الكثير من العراقيين عن مخاوفهم من انفلات الصراع الدائر بين التيار الصدري والاطار التنسيقي ودخوله المرحلة الساخنة العنيفة ،المؤشرات لاتبعث على التفاؤل بقرب الوصول الى نوع من التفاهم والحوار بين الفريقين يفضي الى نتيجة تنهي الخصومة المتصاعدة ، وتمنع أمتداد النزاع الى الشارع الذي بات مقسما بينهما،ورغم وجود اغلبية صامتة (شيعية) تراقب بقلق وحذر، الا ان مقولة الصراع الشيعي -الشيعي صارت تطرق الاسماع وتبدو احتمالا قائما ،كلما استفحل الخلاف وتباعدت فرص الحلول الوسط ، ثمة هلع كبير من مجرد التفكير بحدوث قتال بين اخوة المذهب والوطن ،واستغراب كبير من حماس بعض الشعبويين والمنفعلين للدفع باتجاه الحسم (الثوري)،ماسبب ذلك الهلع ؟ وهل من تفسير مقنع ؟.

البديهي ان قتال ابناء الوطن الواحد والشعب الواحد والجماعة الواحدة لبعضهم البعض ، هو خطيئة الخطايا ،والقرار الذي لايريد ان يتورط به احد ،فالخوض في الدماء والتسبب بالحروب الاهلية وايقاد جذوة الصراعات الدامية لايقدم عليها الا سياسي شقي ،او رجل دين متهور ،او مهووس بالسلطة والهيمنة من امراء الحروب ومدعي الصوابية والمصلحة ،هولاء وحدهم من يقودون الجماعات وربما الشعوب الى الانتحار الجماعي ،لكن شعلة النزاعات لايوقدها اشقياء السياسة والمستثمرون في سوق الاديان والمذاهب والقبائل والاوطان فحسب ،ثمة اسباب تتراكم وعيوب بنيوية تتضخم ومشاعر كراهية وحقد تتبلور، كلما تضاعفت ازمات المعيشة وزادت احباطات الناس وتغلب عليهم الاحساس بالغبن والحرمان النسبي ونجح الزعماء في استثمار هذا الغضب وتأجيجه لدواع عديدة.

لماذا نستعظم نشوب صراع بين ابناء الطائفة الواحدة وربما الحزب الواحد وعبور جميع الخطوط الحمر ؟ الجواب ببساطة لاننا نفترض ان الجماعات التي تفكر بالنقاء المذهبي والاحقية الدينية لاينبغي ان تتقاتل داخليا ،فلديها مهمة مقدسة ومسؤولية مضاعفة في المحافظة على صورتها الخارجية النقية الطاهرة ،هذا لون من التفكير الرغبوي لكنه تفكير غير واقعي ،فصراعات البشر تجد لها من المسوغات والدوافع المحفزة مايضفي عليها صبغة الشرعية والمقبولية وقدتجد لها جذرا دينيا وتأويلا لاهوتيا وان كان زائفا ،الصراعات لاتحدث لاسباب معقولة دائما ،فثمة دوافع مجنونة وتفكير بدائي يوفر اجواء انطلاق حفلات الموت المقدس ،لهذا لايستبعد حدوث انشقاقات وتصدعات داخل الطوائف والجماعات تحركها مصالح مختلفة ،في اغلب الاحوال ينجح الزعماء والقادة في دفع الصراع الاجتماعي نحو الخارج (خارج الجماعة الواحدة)باختراع سرديات كثيرة ،الشعور بالتهديد الخارجي هو مايقوي نزعة (التقوى ) والسلوك المسؤول لحماية وجود واستمرارية اي جماعة ،غير ان ذلك لايمنع من حدوث صراعات حزبية وفرقية (فرقة دينية )واقتتال على الزعامة والهيمنة السياسية والدينية والاقتصادية ،عاش شيعة العراق ازمنة كانت المظلومية والاستهداف تجعلهم يتوحدون في مواجهة استبداد سياسي او تهديد طائفي وسلطات غير عادلة ،لكن انقسامهم الداخلي وتشظي احزابهم وتقاتلهم على الزعامة والامرة ليس امرا استثنائيا ،فلحظة التفكير بالمصلحة الذاتية ومنطق تغليب افكار تيار على اخر واتجاه سياسي على اتجاه اخر ،سلوك بشري طبيعي يزدادحماسة ومشروعية كلما اتكأ على تأويل ديني ،ولهذا يتحمس الفرقاء دائما لاضفاء رمزية دينية والاحتماء بمرجعية ورموز ذات قداسة لمنح المواقف قيمة ذاتية ،الشيعة يتقاتلون بينهم ايضا كغيرهم من بني البشر ،بمسوغات كثيرة ودواعي الانقسام موجودة ،والعقلاءوحدهم من يتفادون هذا الاحتمال الوارد،فمالذي يمنع من اقتتال اخوة المذهب والدين والوطن؟ مادامت المحركات واحدة .وهي محركات غريزية يتماثلون فيها مع غيرهم ،الصراع في مضمونه اجتماعي سياسي ،وهدفه السيطرة على قرار الجماعة ،رغم وجود المرجعيات الكبرى ،وكل طرف يشعربتهديد جدي لوجوده يفكر بحماية هذا الوجود بكل الاسلحة ،مايحدث في ساحتنا هو صراع بين رؤى متعارضة تغذيها مخاوف متبادلة ،والخوف دافع كبير للتصرف بعقلانية وغير عقلانية حتى وان كان الخائف على وجوده ومصالحه متدينا ورعا ،فقد تقاتل اخوة المذهب والطائفة من الشيعة في مناسبات عديدة ،تقاتلت امل وحزب الله في لبنان لسنوات وكانوا من قبل رفاق تشكيل واحد ،وتقاتل شيعة ايران بين تيار اسلامي وتيار علماني ،او تيار ديني صريح وأخر يجمع الماركسية والاسلامية في وعاء واحد ،وتقاتل شيعة العراق تحت زعامة وسلطة غير شيعية بين شيوعيين وبعثيين او بين دينيين ولادينيين ،الذين يخشون اليوم من تقاتل الاطار والتيار يرون ذلك كفرا باعتبار ان الفريقين المختلفين ينتميان الى التيار الديني والمدرسة المرجعية الواحدة ،غير ان ذلك لايكفي لمنع الاصطدام ،ولايكفي التحرز من الولوغ في الدماء الاخلاق الدينية وحدها ،فلكل فريق سردية مقتنع بها ويراها ذات مشروعية كبيرة تستحق الدفاع عنها ،فالثورة والاصلاح والشرعية الدستورية ومنع الفوضى وحماية حقوق المكون ومحاربة المفسدين واحباط الموامرة الخارجية والدفاععن حقوق الفقراء والضعفاء ،مسوغات كبيرة تجعل من معتنقها مستعدا للذهاب الى النهايات القصوى ،مايمنع من الصدام هو الحكمة السياسية والتقدير العقلاني للمخاطر والانصياع لمنطق التاريخ ودروسه ،والتاريخ يقول ان قاطرته تسير بتغلب عصبية على اخرى ،وافول وتراجع جماعة على اخرى بقدرتها على التحكم بديناميات الصراع ومكوناته .


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.