المسلة

المسلة الحدث كما حدث

حكومة عبور الازمة السياسية

19 أكتوبر، 2022

بغداد/المسلة:

إبراهيم العبادي

قبل نجاح رئيس الوزراء المكلف السيد محمد شياع السوداني بنيل ثقة مجلس النواب والتصويت على برنامج حكومته ،اشتغلت ماكنة سياسية وإعلامية ضخمة برفع سقف التوقعات لدى العراقيين وتصوير انتهاء ازمة تشكيل الحكومة بانها معجزة سياسية هبطت من السماء على ارض العراق .

لاشك ان عبور مأزق الانتخابات النيابية المبكرة التي اجريت في تشرين عام 2021 وبعد عام مضني من الصدامات الدامية ومعارك الشارع والصالونات والاروقة السياسية والاعلامية يعتبر مكسبا في لحظة محفوفة بالمخاوف والنهايات المرعبة ،لكن تشكيل الحكومة لوحده لايعد انجازا ضخما لاطراف العملية السياسية بقدر مايوصف بانه اكبر تمرين وتجربة سياسية تخوضها طبقة لاتجيد تدوير الزوايا الحرجة ،رغم ذلك شعر الناس والكثير من النخب والعقلاء من السياسيين بالارتياح لهذه الصحوة المتأخرة ،وسيكون مبكرا الحديث عن قوى فائزة واخرى خاسرة ،ورهان ناجح واخر فاشل ،اذ تتحمل جميع القوى السياسية اوزار عام كامل من المماحكات والالعاب السياسية التي كادت تودي بالبلاد وتدخلها في حرب اهلية وهو مااستدعى تحذيرات اممية ودولية لخصتها الاحاطة غير المسبوقة التي قدمتها رئيسة بعثة الامم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت في الرابع من تشرين الاول امام مجلس الامن ،والبيانات التي صدرت من دول كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وسفراء اوربيين في بغداد .

لقد انتهت حصيلة معارك الاقطاب والزعامات عند مرفأ تشكيل الحكومة ،لتبدأ معركة جديدة

خلف الاستار لتقاسم المواقع في الحكومة الجديدة ،وسيبدأ اختبار قوة رئيس الوزراء وقدرته على ادارة التوازنات في مفاوضات تشكيل الحكومة بين المكونات اولا، وبين القوى التي رشحت السيد السوداني وهي قوى الاطار التنسيقي ثانيا ،فقبل تشكيل الحكومة بشهر طُرحت ورقة البرنامج الحكومي المفترض لهذه الحكومة في بنوده الرئيسة المتعلقة بمطالبات الكرد والسنة، والتي قيل ان بعض اطراف الاطار التنسيقي تحفظت عليها (السيد عمار الحكيم -الحاج هادي العامري -الدكتور حيدر العبادي )وقيل ايضا ان صقور الاطار هم الذين وافقوا عليها خلاف ماكان متوقعا خصوصا مايتعلق منها بنفط الاقليم وتصديره وقرار المحكمة الاتحادية بخصوصه، وقضية كركوك وامن المناطق (المتنازع عليها ) وحصة الاقليم من الموازنة والبيشمركة ،فيما كان تحالف السيادة السني يطالب بعودة نازحي جرف الصخر وقضية المفقودين واعمار المناطق المحررة والعفو العام والغاء هيئة المسائلة والعدالة ومطالب اخر ،اذا استجيب للطرفين الكردي والسني بهذه الالتزامات الكبيرة ، تكون الحكومة المرتقبة قد كبلت نفسها بشروط يصعب عليها تجاوزها بسهولة، خاصة ماكان مرتبطا بقرارات المحكمة الاتحادية الباتة ، والمشكلات المعلقة التي هي مدار ازمة مستدامة بين الاقليم والمركز، ومنها ايواء قوميين اكراد من تركيا وايران في كردستان العراق بما تسبب في هجمات مسلحة من جانب الجارين انتهكت سيادة وامن العراق واوقعت خسائر كبيرة، احرجت اطرافا عراقية ذات علاقة خاصة مع انقرة وطهران (مولاة بلا شروط) .

الامر لايتوقف على هذه الشروط فحسب ،اذ لايقل موضوع توزيع الحقائب الوزارية والمناصب الخاصة المؤثرة ،حساسية بين اطراف الاطار التنسيقي نفسها ،فليس هناك من يزهد بالمواقع الحكومية والحصص المتوقعة الا القليل النادر ،اذ الاغلبية تقاتل على نيل حصة وازنة من التشكيلة الحكومية الجديدة ، لقبض ثمن الاتعاب والمواقف السياسية ،وهذه قصة لاتنتهي في العراق ،فالتوافقات والتأييدات لها ثمنها الخاص ، ولا تعبر عن واجب وطني وبرنامج سياسي يُسأل عنه الحزب أوالفصيل امام الجمهور العام ،فحكومة (الخدمة الوطنية) تعني في تفاصيلها ارضاء القوى الداعمة لها ،فوق ذاك عمدت قوى سياسية الى احراج رئيس الحكومة الجديدة قيد التشكيل ، بمطالبات شعبوية تصطدم بحقائق وقوانين الاقتصاد ،كالمطالبة بأعادة سعر صرف الدينار العراقي بدعوى معالجة الفقر ،والبطالة وتحريك الاسواق ،فحتى لو استعانت الحكومة باقوى خبراء الاقتصاد في العالم لمعالجة معضلات الاقتصاد الريعي ، فان العراق سيقى رهين مدخولات النفط كمصدر وحيد للايرادات في ظل دورة اقتصادية بدائية ،وستبقى مافيات الاستيراد والفساد والربح السريع تعمل عملها المعطل للاستثمارات والمانع من الانتاج ،كما ستبقى معدلات التوظيف في حدها الادنى، بغياب القطاع الخاص النشط وترهل ادارات الدولة وفساد هياكلها واطقمها كما وصفها وزير المالية المستقيل علي علاوي.

ان مطالبة رئيس الحكومة الجديدة باجتراح معجزات اقتصادية لاتعدو اكثر من مزايدات حزبية واعلامية للاستثمار في مشاعر الجمهور المتوثب ،ومن غير المعقول مطالبة الحكومة في ظرف سياسي وامني مضطرب ،محليا ودوليا بتحقيق نمو اقتصادي حقيقي غير مرتبط بارتفاع اسعار النفط ، وتقليل البطالة ومواجهة غول الفساد المحمي بارادات سياسية مسلحة ،وكل ذلك مرتبط هو الاخر بقدرة الحكومة على اقناع التيار الصدري بانها لن تكون حكومة جناح شيعي متربص به ،وفي ذات الوقت قادرة على احتواء احتجاجات ومطالبات بقايا تشرين من الشباب الغاضب الذي يرفض السياسيين ويريد احداث تغيير بلا بوصلة واضحة أو قدرات كبيرة فاعلة على الارض ،لكنها مطالبات قادرة على التأزيم والتحشيد وارباك الامن والنظام في محافظات ومدن كبيرة .

ان جل ما تستطيعه حكومة عراقية منسجمة بقاعدة دعم قوية هو العبور بالعراق من عنق الزجاجة ووضعه على سكة التعافي السياسي تدريجيا ،وهو مايأمله الكثيرون ويرون انه المهمة الأولى قبل أي مهمة أخرى.

اما الحديث عن نهاية حقبة وبداية أخرى فلن يكون سوى اماني برع العراقيون من محترفي الخطاب الحزبي التبشيري في تسويقها دائما وتسببت في خداع الجمهور وضياعه وابعاده عن التفكير العقلاني .


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.