المسلة

المسلة الحدث كما حدث

مخزن حبوب العالم

20 أكتوبر، 2022

بغداد/المسلة:  علاء الخطيب
في العام 1917 اصدر “مارك سايكس” الدبلوماسي والعسكري البريطاني الذي صنع الشرق الاوسط برفقة زميله “جورج بيكو” كراساً عن مستقبل العراق التجاري, و في العام 1918 كتبت جريدة التايمز اللندنية مقالاً حول انتاج العراق الزراعي بعنوان ” أعظم غلة في التاريخ منذ عهد نبوخذ نصر ” .

وكُتب بعد ذلك مجموعة كبيرة من البحوث التي تحتفظ بها مكتبة الوثائق في وزارة الخارجية البريطانية وجُمعت في كتاب بعنوان ” بلاد الرافدين المدهشة إعجوبة العالم” .
كما أطلق البريطانيون على العراق ” مخزن حبوب العالم ” في زمن البابليين.
وجاء المسلمون الى العراق سنة 633 م وخرجوا من البادية فنظروا الى الشجر والتفاف النباتات على بعضها البعض والانهار تجري بين بساتينها الغناء فأطلقوا عليه ” أرض السواد ”
لم يكن مارك سايكس يعلم ان حال العراق سينقلب من مخزن حبوب العالم الى مستهلك حبوب العالم ,ولو كان المسلمون الاوائل قد تنبئوا بأن العراق سيجوع , لما أطلقوا عليه ” ارض السواد” ولو عرف الباحثون ان العراق سيستورد التمر من السعودية وايران والرز من تايلند والحنطة من استراليا وكندا والطماطم من سوريا والرمان من اليمن والبرتقال من مصر والفواكهة من افريقيا ، لما كتبوا بحوثهم عن الثروة الزراعية والمائية العراقية .
ويقيناً لما قال الجواهري بيته الشهير ” يا دجلة الخير يا أم البساتين”
فلا بساتين ولا مياه ولا حمائم ولا نبعاً تلوذ به ايها الجواهري العظيم. فما عساك ان تقول اليوم:
أليس من الغرابة ان تجد مساحات زراعية واسعة تعرض للبيع او تقسم لمساكن, او تتحول الى مكب للنفايات، والدولة عاجزة عن فعل ما، يوقف هذا التردي والانحدار . .
العراق اليوم يعاني من الجفاف وانحسار المياه الجوفية ، وتردي الري وهجرة الفلاحين .

و لم تفكر الحكومات المتعاقبة على الحكم في تنمية الريف ودعم الفلاح وانشاء شبكة للطرق ومخازن للتبريد وحفظ المنتج الزراعي.ولم تستطيع معالجة المشاكل الاجتماعية في الريف الناجمة عن قلة المياه وتقلص فرص المعيشة، حتى تحولت هذه المشاكل الى صراعات اجتماعية ” عشائرية” تنذر بتفتت المجتمع وتمزيقه.
مخزن حبوب العالم يتحول الى مخزن للسراق والفاسدين ومصدر للفضائح ، ولعل الفضيحة الاخيرة في الضرائب تكفي ان تجعل رؤوسنا تطأطأ أمام العالم ، فهل من المعقول ان تقوم مجموعة قليلة بسرقة هذا المبلغ الضخم وعلى عينك ياتاجر؟
انتقل العراق من ارض السواد الى ارض الاسوداد ” الصخام” ومن صومعة الحبوب التي تغذي الدنيا الى صومعة الخراب والدمار التي تصدرالعنف .
من يقرأ الف ليلية وليلة يسبح في فضاءات الحلم والجمال ويتمنى العيش في ارض السواد الجميل, ارض السواد التي صنعت الفرح و انتجت ثقافة الليل والسهر والشعر والموسيقى. ارض سواد بلد الرشيد وابو نؤاس والبحتري وابو تمام , والوردي والجواهري بغداد التي تغنى بها نزار قباني كما تغنت بها الدنيا وكتب عنها المستشرقون والرحالة.
ارض السواد التي غاص في اعماقها وعشقها الروائي العربي عبد الرحمن منيف ابن السيدة العراقية البغدادية، والتي قال عنها ان امي ارضعتني حب هذه الارض كتب في ثلاثيته ” ارض السواد ” عن سيرة بلاد الرافدين والصراعات التي دارت فيها وعن الشخصية العراقية.
هل يتصور الانسان ان يكون حالها هكذا .

ليت منيف ونزار قباني والجواهري وجمال الدين والسياب الذين تغنوا بمخزن حبوب العالم يشاهدون اليوم الظلام الذي خيم على المخزن ، والسراق الذين نهبوه .
وهل يعقل ان الولايات المتحدة تقدم منحاً زراعية بقيمة مليارين دولار لتنمية الزراعة في مخزن حبوب العالم ؟
لك الله يا مخزن حبوب العالم .

 

 

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.