المسلة

المسلة الحدث كما حدث

الإحباط

16 نوفمبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيم

أغلب الظن أن ما يشكو منه العراقيون في الداخل هو اليأس من أي تقدم حقيقي، يفترض به أن يكون في عصر المشاركة السياسية وإطلاق الحريات. وكان حلمهم منذ زمن طويل أن يكونوا في صف البلدان القوية ذات الشأن الرفيع والسمعة المدوية. وليس صحيحاً أن همومهم ناجمة عن ضيق ذات اليد، أو نقص الخدمات، أو الترهل الوظيفي. فأوضاع العراقيين أفضل من كثير من الشعوب الأخرى، وحياتهم أكثر يسراً. وليسوا بالسوء الذي يتصورونه، أو يتذمرون منه بمناسبة أو بدون مناسبة.

والحقيقة أن نظرة الناس للعراقي في الدول المجاورة اختلفت تماماً عن ذي قبل. فلم يعد هو المنفي الفقير، الباحث عن عمل، أو الراغب في هجرة، أو ذاك الذي يجوب البلدان بحثاً عن رغيف الخبز. بل السائح الذي يتنقل في بقاع الأرض بحثاً عن الراحة والمتعة. وينفق بغير ما حساب أنى حل وارتحل.

فلماذا يشكو الجمهور لدينا من عسر الأوضاع، ورداءة المآل. ولماذا يجهر بالأنين من سوء المنقلب، وسقم الحال؟

أغلب الظن أن سبب هذا الشعور أن العراقي كان على مر العصور في المقدمة. وكانت البلدان الأخرى تدين لبلاده بالكثير من الفضل. فهو موطن الامبراطوريات القديمة التي حكمت العالم، وعاصمة الحضارة الإسلامية، التي أشرقت شمسها على أرجاء المعمورة.

ولأن إنسان هذه الأرض يدرك أن له رسالة في هذا العالم تتجاوز حدود بلاده الجغرافية، فليس بوسعه الانصياع لمشيئة شعوب أخرى تمتلك المال والنفوذ والقوة القاهرة. وتحاول إخضاعه لإرادتها السياسية أو الطائفية أو الاقتصادية، منذ اندلاع الحرب الكونية الأولى، قبل أكثر من مئة عام، وحتى يومنا هذا.

وقد كان العراقيون يعتقدون أن وجود نظام مستبد، ومتعسف، وطائفي، هو السبب في وضعهم المرتبك. وبمجرد إزاحة هذا النظام، وإحلال آخر على الطريقة الغربية محله، فإن كل غمة ستنجلي، وكل هم سيزول. وهو ما لم يحدث بالطبع. فهناك ظروف موضوعية حالت دون حدوث طفرة مفاجئة. بل أن السبيل للوصول إلى تنمية حقيقية غير معبد، ودونه الكثير من التراكمات، ولا بد من تذليل الصعاب أولاً بأول. ويقف بمقدمتها الانقسام الفئوي الشديد، ووجود إقليم شبه مستقل، يتنازع مع حكومته على أراض شاسعة في محافظات أخرى!

إن إحساس العراقي أنه غير قادر على كبح جماح إقليم متمرد، وهوس بلدان عملت على إضعافه بشتى الوسائل، هما اللذان يجعلانه يندب حظه العاثر، ويرفض الإذعان لما يصادفه كل يوم على الأرض.

مثل هذا الأمر ليس سيئاً دائماً، وإن لم يكن حسناً بالطبع. فهو يدل على وجود تحديات كبيرة، تحفز قواه الكامنة على الكفاح. وتقف شاهداً على ما يمتلك من عزيمة وإصرار. ولأن التحدي هو الذي يحمل الشعوب على النجاح، فإنه إذا ما تمكن من ضبط إيقاع حركته، وجمع شتات تفكيره، فستتحول أحلامه إلى حقيقة. وتنقلب تطلعاته إلى واقع. وسيكون قادراً على تغيير أوضاعه، وتخفيف معاناته، ويشرع في بناء مجتمعه الفاضل، الذي يطمح إليه كل هذه السنين.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.