المسلة

المسلة الحدث كما حدث

النخبة والجماهير

4 ديسمبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيـم

ينصب اهتمام النخبة في العراق اليوم على نقد الأداء الحكومي، وإبراز الجوانب السلبية فيه، والتغاضي عن كل إنجاز يقوم به. ولا تنسى هذه النخبة، وهي تبدي امتعاضها من الحاضر، أن تتحسر على الماضي الجميل وأيامه المليئة بالرفاهية. وقد أدمنت هذا السلوك، منذ أن انفرط عقد آخر الأنظمة الاستبدادية، ذي الطبيعة العشائرية، قبل عقدين من الزمان.

إن كل نتاج بشري قابل للمراجعة والطرح والإضافة، فهذا ما لا خلاف عليه في قليل أو كثير. وهو جوهر عملية التقدم في كل زمان ومكان. لكن الإسراف في ذم التجربة الوطنية، والتذمر من كل ما هو محلي، يعكسان النزوع نحو الهيمنة الفكرية، والافتتان بالقيم الأجنبية.

ولا يمكن وصف هذا السلوك بغير مركب النقص الذي تجذر لدى بعض الفئات، وأورثها الشعور بالعجز عن إيجاد البديل، والإقرار المسبق بالفشل. فليس لدى هذا البعض القدرة على إيجاد حل منصف لنقاط الضعف، التي أغرم بالتنويه عنها، وانبرى لتضخيم حجمها على الملأ . لأنه لا يجيد سوى البحث عن العيوب.

وليس من الغريب أن يتحامل هؤلاء على التاريخ الإسلامي، وما يتعلق منه بالفتوحات خاصة. ولا يتورعون عن وصفها بالعدوان. فهم ينظرون للتاريخ بعين أوربية معاصرة، رغم أن تاريخ أوربا حافل بالانتهاكات والمذابح والعنصرية. ويرون أن الإسلام لم ينتشر بوسائل ناعمة. ويتغافلون عن خلو ذلك العصر من القنوات الإعلامية التي تتكفل بنقل الفكرة إلى الغير، دون الحاجة إلى العنف، كما هي الحال اليوم.

وفي أحيان أخرى يتغاضى هؤلاء عن أداء حكومات محلية ذات هوى غربي محض في العراق. فما يثيرهم هو النفس الإسلامي دون غيره. ولا يعنيهم ما يجري من مظالم وانتهاكات ولصوصية، مادامت الإدارة هناك تعمل تحت غطاء أجنبي، يناصب الإسلاميين العداء.

مثل هذا السلوك الانتهازي الذي تنتهجه جماعات “النخبة” يدل على انحياز واضح للهيمنة، وابتعاد صريح عن وجدان الناس وعقائدهم ويومياتهم. ويفقدهم التأثير المطلوب في الشارع. فالاستغراق في تعداد المساوئ، التي ترتكبها كل يوم أجهزة إدارية بدائية، ليس هو ما يستهوي العامة، لأنها لا تنفك تمارسه كل يوم. بل الدور المؤثر القادر على تصحيح هذه الممارسات، وإيجاد الحلول الناجعة لها. وتقديم البديل النظري للمشاكل المزمنة، في كل نواحي الحياة.

لقد كان رموز النهضة في العراق والشام ومصر، لا يكتفون بالهجوم على الحكومات العربية التي نشأت في تلك الحقبة، بل يفتحون عيون الناس على الأسس السليمة للإدارة، ويعملون على تصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وقد انخرط بعضهم في الأجهزة الرسمية، وأدخلوا الكثير من الإصلاحات في التعليم وغيره.

إن الشعور بالانفصال عن الشأن العام هو الذي أوجد الحواجز العميقة بين النخبة والجماهير. ونفى أي تأثير مفترض لها عليهم. فلا يتداول الناس ما يخرج عنها من نتاج، ولا يعبأون به، كما كانوا يفعلون من قبل. لأنه لا يسد لهم رمقاً ولا يشبع فيهم نهماً، ولا يقدم لهم سوى الأوهام والسوداوية وازدراء الذات.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.