المسلة

المسلة الحدث كما حدث

حول محاولة الانقلاب في المانيا

حول محاولة الانقلاب في المانيا

12 ديسمبر، 2022

بغداد/المسلة:

فارس حرّام

يعلم بعض الأصدقاء بإتمام كتابي “أرضنا الجاهزة للفاشيّين” المزمع نشره العام القادم، ومنهم من قرأ مسوّدته.. في أدناه بعض ما ورد في الكتاب عن تغلغل النازيّين الجدد واليمين المتطرف في ألمانيا في السنوات الأخيرة، أوجزها في نقاط خاطفة قد تنفع من يود معرفة ماذا يجري هناك:

١- تحدّث تقرير نشره موقع فرانس ٢٤ أواخر العام ٢٠١٧، عن وجود حوالي ١٢ ألف مواطن ألماني يطلقون على أنفسهم لقب “مواطني الرايخ” (Reichsbürger)، وهم ممن لا يعترفون بالدولة الألمانية بعد ١٩٤٥، ويحملون بطاقة هويّة مزوّرة تحمل توقيع الرايخ. وبناء على تقرير المكتب الفيدرالي الألماني لحماية الدستور العام ٢٠٢١ فقد ارتفع عدد هؤلاء ليشكلوا مع مجموعة أخرى تسمى “الإدارة الذاتية” (Selbstverwalter) ما مجموعه حوالي ٢١ ألف شخص، ارتكبوا فقط في العام المشار إليه في التقرير ١٣٣٠ جريمة ذات دوافع سياسية.

٢- تشكل الأحزاب والمجموعات اليمينية المتطرفة، وكثير منها ينسج على منوال النازيّين بشكل صريح أو ضمني، طيفاً متعدد الاتجاهات والأساليب، أهمها حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) الـذي حلّ بالمرتبة الثالثة في أوّل انتخابات يدخلها العام ٢٠١٧ حاصداً ٩٠ مقعداً في البرلمان من أصل ٧٣٥، ليكون أوّل حزب يميني متطرف يدخل البرلمان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد فاز أيضاً في الانتخابات الأخيرة العام ٢٠٢١ بثلاثة وثمانين مقعداً. وعادة ما تصف التقارير الإعلامية حزب البديل بالقوميّ الشعبويّ، وتربط تقارير استخبارية وتحقيقات قضائية بينه وبين النازية الجديدة في ألمانيا.

٣- توجد أحزاب يمينية متطرفة أخرى تنشط على الطريقة النازية، أبرزها: الحزب الوطني الديمقراطي (NPD) وحزب اليمين (Die rechte)، وحزب الطريق الثالث (Der III). ويصف تقرير المكتب الفيدرالي المار بنا آنفاً بعض هذه الأحزاب بالسعي “إلى القيام بدور قيادي في طيف النازيين الجدد”.

٤- أما في إطار العمل المسلّح تخطيطاً أو تحضيراً أو تنفيذاً، فقد ذكرت مجلة “فوكوس” الألمانية مطلع العام ٢٠١٨، أنّ مجموعة مسلحة من داخل حركة مواطني الرايخ تخطط لبناء جيش خاص بها. وقد تنامى تغلغل اليمين المتطرف بالقوات الأمنية الألمانية لدرجة دفعت توماس هالدينفانغ، رئيس مكتب حماية الدستور في ألمانيا، إلى التصريح أن عدد المعادين للديمقراطية في أجهزة الأمن الألمانية “مرعب”، مشيراً إلى أنّ بعض هؤلاء ينتمون إلى حركة النازيين الجدد NSU.

٥- في العام ٢٠٢٠ حظرت ألمانيا جماعة يمينية متطرّفة تُعرف باسم “لواء العاصفة ٤٤” وهو اسم نازي بامتياز، قال عنها وزير الداخلية الألماني زيهوفر أنها تهدف إلى “إعادة بناء الدولة النازيّة السابقة”، وقد أظهر تقرير مصور لقناة DW الألمانية أواخر العام ٢٠١٩ تخوف المؤسسات الأمنية هناك من قيام ما يسمى بـ “جيش ظل نازي” مكوّن من ضباط وجنود نازيين جدد متغلغلين في المؤسسات العسكرية بالتحضير لليوم “أكس” – X، وهو يوم يقوم فيه هؤلاء بإحداث انقلاب في ألمانيا والسيطرة عليها.

٦- في تموز ٢٠٢٠، أعلن متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية حل السرية الثانية بقوات النخبة في الجيش الألماني (أعلى تشكيل عسكريّ) على خلفية رصد وقائع تربط بعض قياداتها وجنودها بتمجيد النازية وخزن أسلحة ومتفجرات في منازلهم.

٧- الشرطة أيضاً جرى اختراقها، فقد توصلت تحقيقات الأمن الألماني أواسط العام ٢٠٢٠ إلى أنّ حواسيب الشرطة في بعض المدن جرى استخدامها للحصول على معلومات خاصة بسياسيين وقادة رأي عام في المانيا وتحويلها إلى مجموعات يمينية متطرفة. كما ألقت القبض على قائد شرطة أنشأ مجموعة دردشة تضم أفراداً من اليمين المتطرّف، قاموا بوضع ما أسموه “قوائم الأعداء” بأسماء آلاف السياسيين والصحفيين والناشطين، كما عُثر على بنادق بحوزته وقنابل صوتية وخمسين ألف رصاصة وعلى الصليب المعقوف، رمز النازية.

٨- إخفاق الشرطة ووكالات المخابرات في معالجة ملف النازيين الجدد وضعف مستوى التنبؤ بحركاتهم أدّى إلى تكوين العديد من لجان التحقيق البرلمانية، ومؤخراً بدأ السياسيون المحافظون يتحدثون أيضاً عن إخفاق الدولة. بينما تحذّر حركات المجتمع المدني في ألمانيا منذ سنوات “أن التمييز العنصري اليومي ضد الجنسيات الأخرى لا يؤخذ على محمل الجد في ألمانيا. خاصة عندما نتحدث عن مؤسسات الدولة”، ويقول ناشطون ألمان “لا يزال هناك فهم ضيق للغاية للعنصرية في ألمانيا. إذ إنّ ما هو عنصري في نظرهم، هو فقط ما يعرّف عن نفسه كذلك. المؤسسات لا تدرك أن العنصرية راسخة في المجتمع”.

٩- إنّ ظهور اليمين المتطرّف وشعبويّته والنازية الجديدة بشكلها الصارخ الحالي لا يرتبط فقط بقوة اليأس من الديمقراطية عند أعضاء جماعاتها، وإنما يرتبط أيضاً بتبدّل نظرة عموم الناس، وبخاصة الشباب، إزاء إرث النازية، وهذا هو الأكثر خطورة. لقد أجرت مجلة شتيرن الألمانية استطلاعاً العام ٢٠٠٧، تبيّن فيه أنّ واحداً من كلّ أربعة ألمان يرون النازية جيدة. في حين ذكرت محطة يورو نيوز في تقرير مصوّر العام ٢٠١١ أنّ قبر رودولف هيس نائب هتلر، بمدينة فونزيدل، جنوب ألمانيا، أصبح مزاراً للنازيين الجدد لدرجة ضايقت السكان وسببت زحاماً موسمياً لشوارعهم مما دفع السلطات الألمانية لإزالته.

١٠- قد يربط البعض بين الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وصعود اليمين المتطرّف في ألمانيا، لكنّ بعض الباحثين حذّر من هذه النظرة التبسيطية. الدراسة التي أنجزها روجر إيتْوِل وماثيو غودوين بعنوان “الشعبويّة القوميّة: ثورة ضدّ الديمقراطية الليبرالية” اتجهت إلى عدّ ظاهرة صعود الشعبويّة اليمينيّة غير مرتبطة ببلد محدّد وإنما هي ظاهرة عالميّة وبالذات غربيّة تشمل أوربا وأمريكا، وحددت أربعة عناصر أسهمت فيها:
الأول- الطريقة التي عززت بها الطبيعة النخبوية للديمقراطية الليبرالية عدمَ الثقة في السياسيين والمؤسسات وغذت إحساساً لدى أعداد كبيرة من المواطنين بأنهم لم يعد لهم صوت في مداولات النخب.

الثاني- المخاوف الشديدة التي تتسبب بها الهجرة والتغيير العرقي المفرط (Hyper Ethnic Change) بشأن التدمير المحتمل للهوية التاريخية للشعوب وأساليب حياتها الراسخة.

الثالث- ما أثارته اقتصاديات العولمة لليبرالية الجديدة في الغرب من مشاعر قوية لما يسميه علماء النفس نسبياً بـ “الحرمان” نتيجة لتفاوت الدخل وتزايد الثروة وفقدان الإيمان بمستقبل أفضل.

الرابع: الروابط الضعيفة بين الأحزاب التقليدية السائدة وعامة الناس، وانتهاء عصر “الإخلاص الانتخابي” بين المرء والحزب الذي يعتنق أفكاره أو يفضّله.
————-
(مصادر ما ورد في أعلاه موجودة في الكتاب)

أنتظر إصداره العام القادم، وعنوانه: “أرضنا الجاهزة للفاشيّين.. تقرير عن إعدام من لا يُعدم”.

الكتاب يتحدث عن عودة الفاشية بعد سقوط الأنظمة التي تمثلها، ولكن بأشكال مختلفة وجديدة، وأركز فيه على مرحلتي ما بعد النظامين النازي والبعثي في كلّ من ألمانيا والعراق، (مثلا في العراق ظهرت الفاشية من جديد بشكل حركات غالبيتها دينية). كما أقترح بعض الحلول لهذه المعضلة.

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.