المسلة

المسلة الحدث كما حدث

موسم الهجرة إلى العراق!

7 فبراير، 2023

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيـم

كنت أظن في ما مضى، أن هجرة العراقيين إلى دول الشمال، التي ابتدأت على نطاق واسع في تسعينات القرن الماضي، ومازالت قائمة حتى اليوم، ستعود بثمار إيجابية على العراق.

وستكون لها – عدا عن التحويلات المالية المحتملة – إسهامات ثقافية واجتماعية واقتصادية كثيرة فيه.

وكنت أقارن في الغالب بين المردودات التي جنتها دول عربية أخرى من عمالتها المنتشرة في الخارج.

والمشاريع التنموية التي أطلقها بعض المغتربين الأثرياء في بلادهم، على غرار تلك التي ألفوها في مواطن هجرتهم الجديدة.

لكنني أدركت في ما بعد أنني كنت مخطئاً تماماً. وأن المهاجرين الذين تحملوا صنوف العذاب والأذى، وتجشموا الكثير من الأخطار والمشاق، لم يعودوا – إلا في ما ندر – ميالين للتواصل مع وطنهم الأم.

بل أن أعداداً كبيرة منهم ماتزال تشكل عبئاً على هذا الوطن، بما تتقاضاه من مستحقات مالية وتعويضات، وهم في دار الهجرة.

عدا عن العقول والطاقات والخبرات، التي تستنزف منه كل يوم.

وربما يعرف الجميع أن الكثير من الدول، والعربية منها على وجه الخصوص، انتفعت بالهجرة التي تدفقت عليها من دول عربية وآسيوية.

ولم تكن تستطيع أن تنهض بدونها من ركام التخلف.

وأنصع مثل على ذلك دول الخليج، التي احتضنت ملايين منهم. فنمت وتطورت بسرعة فائقة.

وباتت لها أدوار اقتصادية وسياسية تتجاوز حجمها بمراحل.

كما استطاعت أن تتقدم في ميادين أخرى لم تكن لتبلغها دون وجود المهاجرين، مثل الإعلام والثقافة والعمران والصناعة وغير ذلك.

ويحدثنا التاريخ القريب عن هجرة الشوام من سوريا الكبرى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى مصر خصوصاً.

فقد دفعت الحرب الأهلية اللبنانية الأولى عام 1860 بمئات الأسر إلى النزوح إلى مصر، في عهد الخديوي اسماعيل.

وكانت منهم عائلات تجارية، ونخب فكرية، وقامات إعلامية. فأرسى هؤلاء أسس نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية كبرى.

ولا بد أن القارئ يعرف أن صحفاً مرموقة مثل المقتطف (احتجبت عام 1952) والأهرام والهلال، هي مطبوعات لبنانية في الأصل، أسسها مفكرون معروفون مثل يعقوب صروف، وبشارة وسليم تقلا، وجرجي زيدان.

وكانت لها آثار هائلة على المجتمع والدولة في مصر.

وقد دأب بعضهم (بشارة تقلا وأديب اسحق) على الدعوة لنموذج التمدن الغربي، وحض المجتمع على التخلص من الهيمنة الاستعمارية الغربية.

وهي أمور غير معروفة آنذاك.

بل إن مفردات مثل الشعب والوطن والمواطنة لم تكن مألوفة قبل أن تدخلها هذه الصحف في خطابها اليومي.

إن الذين يغادرون بلادهم هم في الغالب خسارة كبرى لها، ونعمة أكبر على بلاد الغير، وليس العكس كما كنت أظن تأثراً بادعاءات مضللة تفتقد إلى المنطق.

فاحتضان العراق لمهاجرين عرب وأجانب هو أمر حيوي في هذه الحقبة بالذات.

وستكون له آثار إيجابية عظيمة عليه. فلم تتسلل إلى هؤلاء – بحكم غربتهم عن المكان – الأمراض الاجتماعية والأفكار المتحجرة والممارسات الشاذة، التي تعيق التنمية في العراق.

ولا شك أن العمالة القادمة من بلاد الشام، وهي ماتزال قليلة وغير مؤثرة، قادرة على تغيير نمط الحياة، إذا لم تواجه بالعقبات التي دأب المرجفون على وضعها أمام كل ظاهرة جديدة في البلاد.

ليس ثمة داع للتخوف من المهاجرين الباحثين عن لقمة العيش، فالعراق منذ العصور الموغلة في القدم كان جاذباً لهجرات القبائل والشعوب والأعراق، التي صنعت الحضارة فيه. وهي ماتزال قادرة اليوم على إعادة الكرة، وإنعاش الوضع الاقتصادي، وخلق قيم ثقافية منتجة، على خلاف ما يدعيه البعض زوراً وافتراءً وبهتاناً !

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.